فقال بلهجة مؤدبة وهو يمعن في قسوته: لسنا مراهقين فلنتكلم كراشدين ولنبحث عن سعادتنا بإخلاص وشجاعة .. - لا أفهم شيئا. - حسن، إني معجب بك ولكني أعزب أبدي. - لماذا تقول لي ذلك؟ - ربما وجدت عندك حلا للحال المستعصية.
فقالت باستياء شديد: إنك تجرح كرامتي بأسلوب غير إنساني .. - اعفي عني، إني أصارحك بدافع من عذاب شديد ..
لاذت بالصمت مقطبة فقال: يمكن أن تهبنا الشجاعة سعادة لا يستهان بها. - ماذا تقصد؟ - ألا يكفي أن أتكلم بالإشارة؟ - لا أظن أني فهمت قصدك ..
فقال بقحة لم يعهدها في نفسه من قبل: يلزمنا مكان آمن نلتقي فيه.
هتفت: عثمان أفندي!
فقال بدون مبالاة: سيكون مأوى رحيما لاثنين في حاجة إلى الحب والمعاشرة ..
قامت غاضبة وهي تقول: إما أن تذهب أو أذهب أنا .. - سأذهب ولكن فكري بالأمر بروية وعقل، ولا تنسي أنني رجل فقير!
25
لم تعد شعرة بيضاء واحدة يتعذر اكتشافها. كل فترة تطل شعرة جديدة بنظرة بيضاء باردة تنذر بإيقاع جديد للحياة. لعبة طارئة يتجرعها الإنسان بلا استساغة، ثم يجد نفسه وجها لوجه مع الحتم المؤجل. ويلقي نظرة على الحياة شاملة، يزن أعماله، يقيم ثماره، يتلقى أنفاس المجهول بامتعاض، يتوثب أكثر للصراع، يسلم بالهزيمة، ولكنه يأمل أن تحل مقدسة. لا خطوة قريبة في سلم الترقية، مدخره يتصاعد، توتره يشتد، جهده يتضاعف، علاقته بأنسية تتوطد ولكن في حذر، أما قدرية فتستحق أن توصف برفيقة العمر. في أعقاب صلاته يخاطب ربه: ما الحياة بغير وجودك يا رب.
ولكن يبدو أن الآخرين لا يتماسكون مثله، فقد دق جرس التليفون ذات يوم فإذا بالمتحدثة أصيلة حجازي الناظرة: أشكر لك وساطتك المثمرة. - العفو يا افندم. - وكيف حالك؟ - عال. الحمد لله. - إني سعيدة بسماع ذلك .. - شكرا. - ربنا لا يحرمنا منك. - كلك إنسانية.
Неизвестная страница