Философские исследования (часть первая): в современной исламской мысли
دراسات فلسفية (الجزء الأول): في الفكر الإسلامي المعاصر
Жанры
لما كانت احتياجات العصر محددة تعبر عن حركة التاريخ وكانت في الوقت نفسه مقياسا للانتقاء واختيارا بين البدائل؛ فإن كل ما تختاره يكون إيجابيا وكل ما تتركه يكون سلبيا. فإيجابيات التراث وسلبياته ليست مطلقة، بل تحددها اختيارات كل عصر، وتتغير طبقا لمتطلبات الأجيال. وبالنسبة لجيلنا فإنه يمكن تحديد بعض هذه السلبيات كالآتي: (1)
سيادة التصور التسلطي للعالم المتمركز حول الواحد، الذي يعلم كل شيء ويقدر على كل شيء. ويظهر ذلك بوجه خاص في العقائد «الأشعرية» التي ورثتها الأجيال أكثر من ألف عام، وأصبحت جزءا من روح الأمة والذي أصبح عنوانا «للطغيان الشرقي». ويظهر ذلك أيضا في الواحد الحر، والمسيطر على كل ما سواه وما ينتج عنه من قدرية. ويتمثل ذلك أيضا في احتياج العالم إليه في صورة نبوة تهدي العقل وتكمله وتعصمه من الخطأ، وإيمان به يجعل العمل في المرتبة الثانية، وإنكار لغائية الطبيعة وقوانينها، وتجاوز هذا العالم إلى ما وراءه. هذا التصور المركزي الواحد للعالم ليس سلبيا «في ذاته»؛ فقد استخدمته الصين لصالح الثورة، ولكنه حتى الآن يمثل عنصرا سلبيا في التراث بالنسبة للأمة العربية، ويمثل بالنسبة لنا إشكال الحرية.
1 (2)
سيادة المعرفة النصية وهو ما يسمى بأولوية النقل على العقل أو بالقول بالمأثور دون المعقول أو بأهل الأثر في مقابل أهل الرأي حتى غابت المعرفة العقلية، أو المستمدة من الواقع المباشر أو من استقراء حوادث التاريخ، حتى قال أحد الشعراء المعاصرين: «واحتمي أبوك بالنصوص، فجاء اللصوص»، وهو ما يسمى أيضا بسيادة الفقه الافتراضي، وتحكيم النص في الواقع وليس تفسير النص طبقا للواقع. وهو ما يسمى «الحرفية» التي تقتل «الروح» والشكل الذي يقضي على المضمون. وبالنسبة للتراث الشكل هو اللغة، والمضمون هو حياة الناس وواقعهم. (3)
المنطق الصوري الذي تغلب عليه أشكال القياس وصور الفكر كما هو الحال في منطق القضايا، وغياب منطق الواقع، واستبعاد أحوال التاريخ وقوانين الصراع. صحيح أن علماء الأصول من متكلمين وفقهاء قد نقدوا المنطق الأرسطي ووضعوا منطقا تجريبيا حسيا ومنطقا عمليا للسلوك، كما نقد حكماء الإشراق المنطق الصوري ووضعوا قواعد للمنطق الإشراقي، ومع ذلك غاب منطق التاريخ باستثناء ابن خلدون. (4)
التصور الثنائي للعلم الذي ظهر في علوم الحكمة، وقسمة العالم إلى أول وآخر، صورة ومادة، عقل وحس، مطلق ونسبي، باق وفان ... إلخ. وظهور هذه الثنائية في الطبيعيات: تخلخل وتكاثف، زمان ومكان، جوهر وعرض، كيف وكم ... إلخ. وظهورها أيضا في الأخلاق: خير وشر، ملاك وشيطان، جنة ونار، إيمان وكفر، ثواب وعقاب، رجل وامرأة. وقد أعطت هذه الثنائيات الطرف الأول كل شيء وسلبت من الطرف الثاني كل شيء. فعاشت الأمة في عالم سلبي بلا قيمة، غير موجود بذاته، يستمد وجوده من غيره. (5)
سيادة الفضائل النظرية على الفضائل العملية، وجعل التأمل أعلى قيمة من العمل، والحكيم أفضل من العامل. وقد ورث الناس هذا الاختيار فنشأت أفضلية الجامعات على المعاهد العليا والمدارس الفنية، وقيمة الأعمال المكتبية على الأعمال اليدوية، وقيمة التنظير والتخطيط وإعطاء الأوامر على الإنتاج والتنفيذ. وقد ظهر ذلك أيضا في «المدينة الفاضلة» التي يقبع الملك الفيلسوف على قمتها. (6)
سيادة القيم السلبية التي ظهرت في علوم التصوف كما هو الحال في المقامات مثل التوكل والرضا والقناعة والصبر والزهد، أو في الأحوال مثل الخوف والخشية والرهبة، حتى أصبحت قيما اجتماعية توجه سلوك الناس. مع أنها نشأت في البداية كرد فعل على قيم اجتماعية مضادة مثل التكالب على الدنيا، والتمتع بمباهج الحياة، والتنافس والتقاتل على السلطة. كما ظهرت قيم الفناء والفقر والمحو والمحق، ولكنه فناء صوري بلا مضمون ودون نتيجة من أجل إحداث تغيير في واقع الناس الفعلي. (ج) إيجابيات التراث
تتمثل شروط النهضة الحضارية إذن في الخلاص من السلبيات التي استمرت في وجداننا القومي أكثر من ألف عام، وإظهار الإيجابيات من كوامن الشعور والتي توقفت منذ حسم الصراع في القرن الخامس الهجري لحساب السلبيات التي تجسدت في الأشعرية، فكر الدولة السنية، والذي ازدوج فيما بعد بالتصوف خاصة في فترة الحكم العثماني، وأهم هذه الإيجابيات هي: (1)
بالرغم من سيادة الإشراق إلا أن العقل استطاع في أصول الدين، خاصة عند المعتزلة، أن يكون أساسا للنقل، فإذا تعارض النقل والعقل يؤول النقل لحساب العقل، وكما قال الفقهاء: «اتفاق العقل الصريح مع النقل الصحيح»، ومن يقدح في العقل يقدح في النقل؛ لأن العقل أساس النقل. ظهر ذلك بوضوح عند المعتزلة، فانتهوا إلى التنزيه أي تصور الله كمبدأ عقلي خالص وليس كإله مشخص يقبع في وجداننا القومي كأساس «لعبادة الأشخاص» في حياتنا. كما ظهر ذلك في الفلسفة وتحويل العالم كله إلى تصور عقلي خاصة عند ابن رشد، فالحكمة هي الأخت الرضيعة للشريعة المتحدتان بالطبع المتحابتان بالجوهر والغريزة على ما يقول القدماء. ونحن في نهضتنا الحالية نصارع من أجل العقل وندعو إلى العقلانية وكأنها تراث الغير وليس التراث الذاتي. (2)
Неизвестная страница