فقد عاش في عصر الدولة الزِّيارية وهي إحدى الدول التي انفصلت عن الدولة العباسية، وانتهى حكمها سنة ٤٣٣ هـ في عهد "أنو شروان بن ضوجهر بن قابوس بن وشمكير" وانتقل الحكم إلى يد "طغرلبك" فأصبحت في يد السلاجقة، وتوفي الشيخ وهي ما تزال في أيديهم (١). ومن خلال تلك الفترة استطاع الجرجاني أن يؤسِّس نفسه تأسيسًا علميًا بعيدًا عن الاضطرابات السياسية قاصرًا نفسه على الدرس والتحصيل، يزاحم مجالس العلماء على قلة تلك المجالس، إلا أنه كان واسع التحصيل فكان يتردَّد كثيرًا على مجلس أبي الحسين محمد بن الحسين الفارسي (٢) الذي كان من كبار أئمة العربية في وقته وهو ابن أخت النحوي المشهور "أبو علي الفارسي"، فلازمه ملازمة طويلة حتى لم يعرف إلا به، كما كان يتردد على مجلس القاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني (٣).
كما ذكر الخوانساري صاحب "روضات الجنات" (٥/ ٩٠) أن الجرجاني كان يتردد على مجلس ابن جني (٤) (ت ٣٩٢ هـ)، والصاحب بن
_________
(١) معجم البلدان (٢/ ١١٩)، الكامل في التاريخ لابن الأثير (٨/ ٣٠).
(٢) هو أبو الحسين محمد بن الحسين بن محمد الفارسي النحوي، أخذ عن خاله أبي علي الفارسي علم العربية، وطوف الآفاق. وكان خاله قد أوفده على الصاحب بن عباد بالري فارتضاه وأكرمه ووُزِّر للأمير غرسيستان ثم اختصَّ بالأمير إسماعيل بن سبكتكن بغزنة، ووزِّر له إلى أن استوطن جرجان وقرأ عليه أهلها ومنهم عبدالقاهر الجرجاني. وتوفي ٤٢١هـ.
[نزهة الألباء (٣٤٣) - معجم الأدباء (١٨/ ١٨٦) - بغية الوعاة (١/ ٩٤)].
(٣) هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي الجرجاني قاضي الريِّ في أيام الصاحب بن عباد، وكان أديبًا نحويًا شاعرًا قد عُرِفَ بجودة الخط حتى شُبِّهَ خطه بخط ابن مقلة. توفي سنة ٣٦٦ هـ. [معجم الأدباء (١٤/ ٣٥)].
(٤) هو إمام العربية أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي صاحب التصانيف المشهورة، كان أبوه مملوكًا روميًا لسليمان بن فهد الموصلي، لزم أبا علي الفارسي مدة طويلة وسكن بغداد وكان أعور، قرأ على المتنبي ديوانه وشرحه، ومن أبياته المشهورة التي يقول فيها: =
1 / 26