جاء عيد العنصرة فتأهب الزائرون صباح الاثنين وذهبوا لحضور القداس في كنيسة «سيدة حريصا»، وكان بينهم السيدة فارس وأولادها والسيدة أديب وزوجها ومعظم عملة السكة الحديدية؛ فعندما بلغوا إلى قمة الجبل تراءت لهم الكنيسة مشرفة على واد من أخصب أوداء لبنان تتخلله المياه الزرقاء وتضيع بين الأدواح المسنة في مطارح الحقول!
انتهى القداس فجلس الزائرون على الأعشاب أمام الكنيسة ليتناولوا طعام الصباح، وكانت الطيور تزقزق على الأغصان فتمتزج نغماتها برقرقة المياه في الجداول الصغيرة.
وعندما أوشكت وليمة العملة أن تنتهي بسط لبيب راغب بضاعة الحلويات أمام أصدقائه.
في تلك الآونة كانت الفتاة ابنة أديب زاهرة زاهية، وكانت عيناها المخمليتان ترسلان إلى قسمات وجهها أشعة صفراء ذهبية. أما فريد فكان ينظر إليها سرا وقلبه طافح سرورا وغبطة فيقول في نفسه: إنها لا تعرف ما إذا كانت تحبني أم لا، ولكن يخيل لي أنها ستحبني عن قريب.
فرغ الجميع من الطعام فتاهوا في الحدائق الكثيفة بين الصخور والكهوف التي تكتنف الكنيسة. كانت الكهوف مظلمة باردة، فدخلت الفتاة إلى أحدها ولم تكد قدمها تلامس حجرا باردا حتى صرخت مذعورة وأخذت يد فريد الذي كان واقفا إلى جانبها وقالت له: إنني خائفة يا فريد فاحرس علي!
فقال لها بصوت خافت تراوده نبرات عاطفة صحيحة: لا تخافي فأنا هنا!
وكانت يد هذا المنقذ تضطرب اضطراب الورقة في يد الفتاة! فقالت له: إنك تضطرب يا فريد، فهل أنت خائف مثلي؟ - آه! ألا تدركين أن الاضطراب يحدث أحيانا من شدة الفرح؟
فقادته إلى خارج الكهف وبأسرع من الوميضة أفلتت يدها من يده وركضت إلى أمها ثم أخذت تقفز مع الفتاة الزرقاء وشقيقيها الصغيرين.
ففكر فريد في نفسه وقال: إنها تحاول أن تخفي ميلها ولكنها فهمت رغبتي. آه! بأية ثقة وهبتني يدها! بأية عذوبة كلمتني وبسمت لي! إن هذه البسمة لا تقدر أن تخدعني ... فهي تحبني! ...
ولكن بعد مرور ثوان قلائل في حين كان فريد يسرح أحلامه التائهة في مطارح الأشجار أبصر فتاة في ميعة عمرها جالسة أمام قدم شجرة، وإلى جانبها فتى جميل ساجد على قدم واحدة، يعلق زهرة حمراء بين شعورها الحالكة، وسمع الفتاة تقول له: إذن فأنت تحبني من عهد طويل؟ أعد على مسمعي ذلك! - أجل، أحبك! أحبك من عهد طويل! فيجب عليك أن تنتظريني بضع سنوات حتى أكمل دروسي؛ فستمسين امرأتي يوما! امرأتي الحبيبة! ...
Неизвестная страница