فابتعد فريد منكسر القلب؛ لأنهما كانا لبيب راغب وابنة أديب!
5
بعد مضي وقت قصير من ذلك التاريخ طلب جميل هاني الموظف الثاني يد الفتاة ابنة أديب، وكان شابا حسن الذوق لين العريكة في السادسة والعشرين من عمره، تعلقت به عائلة أديب وتوسمت فيه عريسا صالحا للفتاة؛ إلا أن هذه رفضت طلبه بالرغم من توسلات أهلها وإصرارهم، فتركوا لها فرصة أسبوع تفكر فيها، ولكنها صرحت لهم بأنه من العبث أن تتحد به فقطعوا الرجاء.
عندما قطع بالفتى أحس بأن شعائره قد مست فهجر منزل عائلة أديب وسكن عند بوليت، فأثار هذا المنهج مكمن الاستياء من صدور العملة، فقالوا للسيدة أديب: إن ابنتك قد أخطأت خطأ عظيما؛ لأنها لن تجد أفضل من جميل هاني زوجا لها؛ ثم إن منهجها هذا يدفع الجميع في جونية أن ينسبوا إليها الكبرياء، إنك تدللينها فلا تدعينها تغسل الصحون بيدها مخافة أن تسود أو تتجهم؛ كوني على ثقة بأن طالبي الزواج يعرفون ذلك، ويعرفون أيضا أن فتاة نشأت على مثل هذه التربية لا تلبث أن تصبح معجرفة متصلفة؛ ولا يجهلون ما يتوجب لها من الحلي والزين، وأن ابنة ساذجة مقتصدة أفضل بكثير من ابنة لا تعرف جمالا إلا جمال البهرجة الفارغ ...
فلم تكترث السيدة أديب لهذا الكلام فأجابتهم: كونوا على ثقة يا أصدقائي بأن ابنتي لا تعدم قرينا صالحا. أفلا ترون الفتيان يتسابقون إلى منزلنا ويحيطون لها إحاطة السوار بالمعصم؟ فهذا شكيب النجار وعيسى الموسيقي واسكندر ابن الحلاق، فما على ابنتي إلا أن تومئ بإصبعها لتحظى بالذي ترغب فيه؛ إلا أنها لم تكترث مرة لهؤلاء الثلاثة ولم تحدثها نفسها يوما بأن تلتفت إليهم التفاتة واحدة. •••
مضى عام كان نادر الشتاء فيبست مزروعات أديب وحلت به خسائر جمة حتى اضطر إلى بيع أراضيه لوفاء ديونه، عند هذا تحول المعجبون عن الفتاة؛ لأنها أصبحت بلا مهر، فقالت أمها ذات يوم: إن ابنتنا تهزل من يوم إلى يوم! آه! ما ضرنا لو زوجناها قبل هذه الحوادث التي طرأت علينا! ما ضرها لو اقترنت بجميل هاني ! ... إنها لتخاف المستقبل فتضعف وترق ...
لا، إن الفتاة لم تكن تأسف على تحول القرويين الفتيان عنها، بل إن حسراتها كانت بسبب لبيب راغب الذي كان قد ترك المدرسة منذ الصيف الماضي ليتابع دروسه في بيروت.
كانت الفتاة ابنة أديب قلقة البال لا يهدأ لها روع ولا يقر لها قرار فتشجعت ذات يوم وذهبت إلى السيدة فارس وأطلعتها على سبب حزنها ثم قالت لها: أود أن تكتبي لي وتسأليه عما عزم أن يفعل. ألم يطلب مني أن أنتظره؟ لقد انتظرته ورفضت أيدي الطالبين لأجله!
أما السيدة فارس فلم تتردد أن كتبت له كتابا رصينا، وبعد أيام قلائل جاءها جواب مطول مبهم، هذا فحواه:
سيدتي الفاضلة
Неизвестная страница