Арабы этого времени: страна без владельца
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Жанры
وإذا لبت بعض المجتمعات النامية بعض هذه المطالب، ولكنها تعيش في مجتمع القهر والفقر في الداخل، والتبعية للخارج، يكون مطلب الحرية والاستقلال والعدالة سابقا على مطلب مجتمع المعرفة؛ فالحرية مطلب أول للإنسان. الحرية تعبير عن الوجود، في حين أن المعرفة مطلب ذهني، والذهن أحد جوانب الوجود. حرية التعبير عن الرأي، واحترام الرأي الآخر، والتعددية السياسية، والكرامة الوطنية، والاستقلال الوطني، والإحساس بالرضا، والشعور بالولاء للأوطان، وبتعبير النظام السياسي عن اختيار المواطنين الحر، كل ذلك سابق على مجتمع المعرفة.
وتقوم المعرفة على العلم، ويقوم العلم على إعمال العقل. ويبدأ إعمال العقل بنقد كل مظاهر الجهل والخرافة والسحر والتحرر من سلطة القدماء قبل أن يبدأ بتأسيس العلم؛ فالعقل النقدي سابق على العقل العلمي. وفي المجتمعات التقليدية ما زالت السلطة هي التي تسود؛ سلطة النقل، وسلطة القدماء، وسلطة التقاليد، وسلطة رجال الدين والسياسة؛ فكيف يتأسس مجتمع المعرفة في مجتمع العقل فيه ليس سلطة، ولا يقوم بوظيفة النقد؟ الدعوة إلى إقامة مجتمع للمعرفة في المجتمعات التقليدية هو استبدال سلطة بسلطة؛ سلطة الجديد بسلطة القديم، سلطة المحدثين بسلطة القدماء، تقليد بتقليد، وإيمان بإيمان.
لا ينشأ مجتمع المعرفة إلا بعد استنفاد كل إمكانيات العلم التقليدي عن طريق التدوين والكتب والمعارف المتاحة بأشكالها التقليدية؛ فالأمي الذي أصبح متعلما يقرأ قبل أن يضغط على الأزرار، ويفك الخط قبل أن يفك الشفرة. وفي الجامعات الحديثة في المجتمعات التقليدية ربما يحتاج الطلاب إلى المكتبة المفتوحة التي يأخذ الطالب الكتاب منها بيده من على الرف ويطلع عليها قصدا أو عن غير قصد؛ فإذا ما تراكمت المعلومات، ووصلت إلى حد يصعب السيطرة عليها، هنا تبدأ الحاجة إلى تنظيمها وفهرستها وتحويلها إلى ذاكرة يسهل استدعاؤها، والتحول من العبارة إلى الكلمة، ومن الكلمة إلى الحرف، ومن الحرف إلى الرمز، ومن الرمز إلى الرقم.
وقد انعكس ذلك كله على مناهج التعليم العامي والبحث العلمي في الجامعات؛ فإدخال أجهزة المعلومات في المدارس العامة لا يعني أن التعليم قد تم تغييره؛ إذ يحل الجهاز محل الأستاذ، نقلا بنقل، وسلطة بسلطة، ويلحق الطلاب ببحوثهم قوائم المراجع والمصادر من أجهزة المعلومات لم يقرأها الطالب أو يطلع عليها، بل قرأ ملخصاتها.
إن تحديث المجتمعات لا يأتي عن طريق مظاهر الحداثة، خارج الزمان والمكان، زرع آلات حاسبة وشبكات معلومات متاحة للجميع، استبدال سحر بسحر، ومعجزة بمعجزة، وحديث بقديم. فالعقل لم يتغير، والموقف من مصادر المعلومات لم يتبدل، وهو التلقي والتعليم والتحصيل، مع أن العلم هو استنباط المجهول من المعلوم، وقراءة ما بين السطور.
المعرفة جزء من نهضة المجتمع الشاملة، وليست عنصرا منفردا ومعزولا عنه. هي جزء من كل وليس كلا من أجزاء. المعرفة لها شروط، ما لم تتوافر تكن زرعا بغير نبت، ونبتا في غير أرض، بالونة ملونة في الهواء سرعان ما تنفجر. لا يعني مجتمع المعرفة رفاهية النخبة، وديكور الحداثة، ومظهرا من مظاهر الدولة العصرية، والحياة ما زالت بدوية، والرؤية تقليدية. إن تطور المجتمعات، وانتقال المجتمع التقليدي من القديم إلى الجديد، ومن السلطة إلى التحرر، ومن التقليد إلى الاجتهاد، هو الطريق الطويل الطبيعي في مسار تاريخي ربما يكون مجتمع المعرفة أحد مراحله، وليس بالضرورة آخرها.
الفصل الثاني
الدين والثقافة والسياسية
الشريعة والدستور
1
Неизвестная страница