خُذ من الآمال مَا احتجت إِلَيْهِ ... ففضول الْمَرْء مَحْسُوب عَلَيْهِ
كَانَ مَالا أَو كلَاما أَو هوى ... أَو فآمال مشت بَين يَدَيْهِ
ولدنياك فويه شبم ... وقديما شاقنا ذَاك الفويه
ولأخراك وَإِن طَال المدى ... موقف يسْلك إِحْدَى جهتيه
وَإِذا لم تَكُ أَعدَدْت لَهُ ... نلْت مَا تكرههُ من عدتيه
وصروف الدَّهْر تخبر قبل ذَا ... بِأُمُور ركبت فِي طيتيه
وَرَأى الْإِنْسَان طرفا لَهما ... فَمضى يعْمل فِيهِ صفتيه
وَإِلَى كم أَنْت فِي سكر الْهوى ... وَإِلَى كم أَنْت مأسور لَدَيْهِ
وكلا الدَّاريْنِ تحْتَاج لَهُ ... وَيَمِين الْمَرْء أقوى عضديه
فلتبادر مَا هُوَ الأولى بِمن ... صرفت عَامله الرّيح لَدَيْهِ
وَرَآهُ الْمَوْت فانقض لَهُ ... كعقاب خر من جو عَلَيْهِ
وَاعْلَم رَحِمك الله أَن تَقْصِير الأمل مَعَ حب الدُّنْيَا مُتَعَذر وانتظار الْمَوْت مَعَ الإكباب عَلَيْهَا غير متيسر فَإِن حب الدُّنْيَا هُوَ سَبَب طول الأمل فِيهَا والإكباب عَلَيْهَا يمْنَع من الفكرة فِي الْخُرُوج مِنْهَا وَالْجهل بغوائلها وعواقبها يحمل على الْإِرَادَة لَهَا والازدياد مِنْهَا لِأَن من أحب شَيْئا أحب الْكَوْن مَعَه والازدياد مِنْهُ وَمن كَانَ مشغوفا بالدنيا محبا لَهَا حَرِيصًا عَلَيْهَا قد خدعته بزخرفها وأمالته برونقها وسحرته بزينتها كَيفَ يُرِيد مفارقتها أم كَيفَ يحب مزايلتها هَذَا أَمر لم تجر الْعَادة بِهِ وَلَا حَدثنَا عَنهُ بل تَجِد من كَانَ على هَذِه الصّفة أعمى عَن طَرِيق الْخَيْر أَصمّ عَن دَاعِي الرشد قَلِيل الرَّأْي سيء النّظر ضَعِيف الْإِيمَان لم تتْرك لَهُ الدُّنْيَا مَا يسمع بِهِ وَلَا مَا يرى الْحَقَائِق بواسطته إِنَّمَا دينه وشغله وَحَدِيثه دُنْيَاهُ لَهَا ينظر وَلها يسمع وَلها يُعْطي وَلها يَأْخُذ قد مَلَأت عينه وَقَلبه وَأذنه
1 / 96