على خيل مسومة ضرام
فأجابه بكتاب جاء فيه:
وصل كتاب أهل الشرك والنفاق والكفر والشقاق، وفهمت مقالتكم. فوالله ما لكم عندي جواب إلا أطراف الرماح وأشفار الصفاح، فارجعوا ويلكم عن عبادة الأصنام، وأبشروا بضرب الحسام، وبفلق الهام، وخراب الديار، وقلع الآثار ...
فهذا السجع في هذا المقام أصلح لخطاب الجاهليين، لأنهم يعرفون منه معنى التوثيق والتمكين، كما يعرفون منه معنى المناجزة والتخويف، ومن هنا أقر النبي نص الحلف الذي كان بين جده وخزاعة على ما كان به من سجع وتفخيم يجعلونهما موثقا تعقد به المواثيق وتؤكد به الحرمات. وهذا نصه:
باسمك اللهم. هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة، حلفا جامعا غير مفرق: الأشياخ على الأشياخ، والأصاغر على الأصاغر، والشاهد على الغائب. قد تعاهدوا وتعاقدوا أوكد عهد، وأوثق عقد، لا ينقض ولا ينكث ما أشرقت شمس على ثبير، وحن بفلاة بعير، وما أقام الأخشبان
2
واعتمر بمكة إنسان: حلف أبد لطول أمد، يؤيده طلوع الشمس شدا، وظلام الليل مدا، وإن عبد المطلب وولده ومن معهم ورجال خزاعة متكافئون متضافرون متعاونون. على عبد المطلب النصرة لهم بمن تابعه على كل طالب، وعلى خزاعة النصرة لعبد المطلب وولده ومن معه على جميع العرب في شرق أو غرب. أو حزن أو سهل، وجعلوا الله على ذلك كفيلا، وكفى به جميلا ...
هذه أمثلة السجع الذي فاه به الرسول أو أقره من كلام غيره، وما عداه من تجميل الكلام فهو تجميل الإبلاغ الذي لا كلفة فيه.
وقد أعانه عليه السلام على أسلوب الإبلاغ أن الذين كانوا يستمعون إليه إنما كانوا يستمعون إلى كلام نبي محبوب مطاع. فهو نافذ في نفوسهم بغير حيلة، مستجمع لأسماعهم بغير تشويق، قائم بالكفاية الوسطى التي لا حاجة بها إلى إفراط ولا خوف عليها من تفريط.
أما رسائله إلى الملوك والأمراء - ممن لم يسلم ولم يهتد - فإنما كانت للإبلاغ أول الأمر، ثم يأتي بعدها التفسير والتفصيل على ألسنة المرشدين والموكلين بالإجابة فيما يسألون عنه، فهي كذلك قائمة على كفاية الإبلاغ، تلك الكفاية الوسطى التي لا إفراط فيها ولا تفريط.
Неизвестная страница