فالجواب عن هذا القول واضح وهو أنه لا يصح في الكذب الذي تضمن إحراز الشيء عن القتل إذ لم تحصل فيه علة قبح الكذب الذي علم بضرورة العقل قبحه وهو كونه كذبا لا نفع فيه ولا دفع، وهنا قد حصل فيه دفع ما لم يتألم به فلا قبح. والله أعلم.
ومن ادعى هنا أنه لا يعلم قبحه بضرورة العقل أو دلالته فمكابرة ظاهرة فلا يلتفت إلى قوله.
قالوا: إن قائلا لو قال: لأكذبن غدا لزم إما حسن الكذب غدا ليصدق؛ لأن تركه يكذب الخبر الأول فيكون تركه قبيحا مع كونه كذبا، والشيء الواحد لا يصح أن يكون فعله وتركه قبيجا؛ فيلزمكم إما تحسين الكذب غدا، أو تحسين تركه وهو يستلزم كذب الخبر الأول، وإذا حسن اللازم حسن الملزوم فيلزم حسن أحد الكذبين في هذه الصورة فينتقض قولكم أنه قبح لكونه كذبا.
قلنا: في هذا الكلام غفلة وذلك أن القبيح ليس محصورا في الكذب، بل قد يكون الصدق قبيحا كالبغية إذا وعدت من نفسها تمكين غير زوجها من نفسها، وكالغيبة للمسلم بما فيه بما ينقصه عند السامعين ولا ينتقص من دينه، وكالنميمة وكأذية المسلم بذكر ما يكرهه، وقول القائل: لأكذبن أو لأظلمن غدا قبيح من حيث أنه وعد بالمحظور، ولم يقبح إلا لقبح معناه، فقول القائل لأكذبن غدا قبيح سواء صدق بما وعد به أم كذب، وأما فعله في الغد فينظر فيه نفسه فإن كان قبيحا فهو قبيح للوجه الذي قبح من أجله في نفسه، وإن كان حسنا فليس حسنه إلا للوجه الذي حسن من أجله في نفسه كذلك.
Страница 85