وأما على ما أخبرنا من أن العلة في قبح الكذب الذي يعلم بضرورة العقل قبحه مركبة من اثبات ونفي وهي كونه كذبا لا نفع فيه ولا دفع ضرر، وإن قبح الكذب الذي فيه نفع أو دفع إنما يعلم بالسمع وهو إجماع الأمة على قبحه وعموم قوله تعالى: { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } وقوله: { قتل الخراصون} {إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب} إلى غير ذلك، فعموم هذه الأدلة تقتضي قبح كل كذب إلا ما خصته دلالة سمعية كخبر سويد بن عبلة: ما رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الكذب إلا في ثلاث الرجل يحدث أهله، والرجل يقول في الجهاد، والرجل يصلح بين اثنين، أو كما قال، وخبر نعيم بن مسعود في صرف قريش وتفريق جموعهم يوم الخندق، وخبر الحجاج بن علاط يوم وأذان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إتيان مكة ليرفع مالا له هنالك، وأنه لا يتم له إلا بأن يقول يعني ما هو كذب، وخبر محمد بن مسلمة حين أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل كعب بن الأشرف، وذكر بأنه لا يتم له إلا بأن يقول، وقول فتيان يوسف عليه السلام عن أمره: { إنكم لسارقون} وظاهر قول إبراهيم عليه السلام :{ إني سقيم} {بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} وقوله تعالى حاكيا عن أم عيسى عليه السلام: { إني نذرت للرحمان صوما}.
Страница 84