قال: فإن قيل: كيف سماها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذبات وهي تورية وتعريض صحيح؟
قيل: لا يلزمنا جواب هذا السؤال إذا الغرض إبطال استدلالكم وقد حصل، فالجواب: عنه تبرع منا وتكميل للفائدة.
قال: فنقول الخبر له نسبتان: نسبة إلى المتكلم وقصده وإرادته، ونسبة إلى السامع وإفهام المتكلم إياه ومضمونه، فإذا أخبر المتكلم بخبر مطابق للواقع وقصد بذلك إفهام المخاطب إياه صدق بالنسبتين، ولأن المتكلم إن قصد الواقع وقصد إفهام المخاطب فهو صدق من الجهتين، وإن قصد خلاف الواقع وقصد مع ذلك إفهام المخاطب خلاف ما قصد بل معنى ثالثا لا هو الواقع ولا المراد فهو كذب من الجهتين بالنسبتين معا، وإن قصد معنى مطابقا صحيحا وقصد مع ذلك التعمية على المخاطب وإفهام خلاف ما قصده فهو صدق بالنسبة إلى قصده، كذب بالنسبة إلى إفهامه، ومن هذا الباب التورية والمعاريض ولهذا أطلق عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسم الكذب مع أنه الصادق في خبره ولم يخبر إلا صدقا.
الطريق الثاني: أن تخلف القبح عن الكذب لفوات شرط أو قيام مانع يقتضي مصلحة راجحة على الصدق لا يخرجه عن كونه قبيحا لذاته، وتقريره ما تقدم، وقد تقدم أن الله سبحانه حرم الميتة والدم ولحم الخنزير للمفسدة التي في تناولها وهي ناشئة من ذوات هذه المحرمات، وتخلف التحريم عنها عند الضرورة لا يوجب، فهكذا لا يكون ذاتها مقتضية للمفسدة التي حرمت لأجلها الكذب المتضمن نجاة نبي أو مسلم. انتهى.
Страница 82