قال: وإذا تأملت الشرائع الناسخة والمنسوخة وجدتها كلها بهذه المنزلة فمنها ما يكون وجه المصلحة فيه ظاهرا مكشوفا، ومنها ما يكون ذلك فيه خفيا لا يدركه إلا بفضل فطنة وجودة إدراك، ثم قال: فإن قيل محل النزاع أن الفعل لذاته أو لوصف لازم له يقتضي الحسن والقبح والشرطان متعلقان بممتنع أن يكون كل واحد منهما وصفا لازما؛ لأن اللازم يمتنع انفكاك الشيء عنه.
قيل: معنى قوله يقتضي الحسن والقبح لذاته أو لوصفه اللازم أن الحسن ينشأ من ذاته، أو من وصفه بشرط آخر.
قال: فإذا علم شرط الاقتضاء أو وجد مانع يمنع اقتضاه زال الأمر المرتب بسحب الذات أو الوصف لزوال شرطه أو لوجود مانعه، وهذا واضح جدا.
قلت: وفي هذا الكلام ما يقضي بصحة التأويل الذي تقدم، الذي ذكره الإمام الهادي عليه السلام لمن يقول بأن الحسن القبح ذاتيان.
وقال ابن القيم: قولكم يحسن الكذب إذا تضمن عصمة نبي أو مسلم، فهذا فيه طريقان:
أحدهما: لا نسلم أنه يحسن الكذب حينئذ فضلا عن أن يجب بل لا يكون الكذب إلا قبيحا، وإنما الذي يحسن التعريض والتورية كما وردت به السنة النبوية كما عرض إبراهيم للملك الظالم بقوله: هذه أختي لزوجته، وكما قال: إني سقيم، فعرض بأنه سقيم قلبه من شركهم أو سيسقم يوما ما، وكما فعل في قوله: { فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون} فإن الخبر والطلب كلامها معا متعلق بالشرط متصل به.
Страница 81