فلما وصل طوسون باشا إلى ينبع ابتدأ بطلب مشايخ القبائل فلبوا دعوته | وحضروا بين يديه فأحسن وفادتهم وأجزل إليهم العطايا حتى خرجوا من عنده | مسرورين ثم أرسل إلى مشايخ قبيلة حرب ، النازلة بين ينبع ومضايق الصفراء ، | وبعث لهم من عنده رهائن كي لا يخشوا المجيء إليه وطلب منهم مقابلته في مدينة | بدر وزحف إلى هذه النقطة بمدفعين وأربعة آلاف عسكري من المشاة فلما | وصلها وجدها خاوية على عروشها لا ترى بها صغيرا ولا كبيرا ، لأن أهلها | حينما علموا بقدوم المصريين هاجروا منها وتركوها كما علمت فكتب إليهم | بالعودة وعمهم بنواله حتى استعملهم في نقل المؤن إليه من ينبع وكان يعطيهم | على ذلك أجرة معينة وبعد قليل أتى إليه مشايخ حرب وتظلموا بين يديه من | تعدى حاكم المدينة عليهم وقتله شيخهم الأكبر بغير حق فاعتذر لهم بما وقع من | هذا القائد وأعلمهم بأن ذلك لم يكن بعلم والده وأنه لابد أن يذيقه ما ذاق كل | ظلوم جزاء على ما كان منه ، ثم أعطاهم من الخلع ما ينيف على ألفين وثلاثين | | كشميرا وصادف ذلك ورود الخبر بموت هذا الحاكم ، فأبهم عليهم الأمر | طوسون باشا ، وأخبرهم بأنه قتل بإذن والده جزاء على ما أتاه جنده من القتل | والنهب فانشرحت لذلك صدورهم واطمأنت خواطرهم ومما زاد في تعلقهم | بالحكومة المصرية صدور أمر محمد علي باشا بتعيين أحد مشايخهم المدعو غانم | بن مدين حاكما على المدينة المنورة .
وبعد ذلك قام طوسون باشا وجيشه لاحتلال مضايق الصفراء والجديدة | فاحتلها بدون ممانع وأحدث قلاعا في أولها وآخرها وحصنها بالمدافع وأودع | فيها ما يلزم من أنواع الذخائر والمؤن ثم سافر قاصدا المدينة المنورة وكان ذلك | في أوائل شهر ذي الحجة سنة 1229 فأقبل الحجاج من كل فج .
وبعد أن أدى محمد علي باشا ومن معه فريضة الحج وعاد الحجاج إلى | أوطانهم شاكرين همته على ما أتاه من إقامة شعائر الحج وإعادتها إلى ما كانت | عليه أرسل الباشا عددا عظيما من الجند إلى مدينة الطائف للإستعداد لمحاربة | الوهابيين لما رأى فيهم محمد علي باشا من الضعف المبين بسبب موت زعيمهم | سعود في 29 ربيع الآخر سنة 1229 الموافق ( 17 إبريل سنة 1814 ) .
Страница 63