أصل الكتاب
مدخل
...
أصل الكتاب:
بسم الله [الرحمن الرحيم]:
من الكلام البديع قول الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: ٤] . ومن الشعر البديع قوله "من البسيط":
والصُبحُ بالكوكب الدُّرىِّ منْحورُ١
وإنما هو استعارة الكلمة لشيء لم يعرف بها من شيء قد عرف بها؛ مثل: أم الكتاب، وجناح الذل، ومثل قول القائل: الفكرة مخ العمل٢، فلو كان قال: "لبّ العمل" لم يكن بديعًا.
ومن البديع أيضًا: التجنيس والمطابقة، وقد سبق إليهما المتقدمون، ولم يبتكرهما المحدثون، وكذلك الباب الرابع٣ والخامس٤ من البديع.
وقد أسقطنا من كتابنا هذا أسانيد الأحاديث: عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- وعن أصحابه؛ إذ كان من التكثير، ولم نذكر إلا حديثًا مشهورًا.
ولعل بعض من قصَّر عن السبق إلى تأليف هذا الكتاب ستحدثه نفسه وتمنّيه مشاركَتنا في فضيلته، فيسمى فنًا من فنون البديع بغير ما سميناه به، أو يزيد في الباب من أبوابه كلامًا منثورًا، أو يفسرشعرًا لم نفسره، أو يذكر شعرًا قد تركناه ولم نذكره؛ إما لأن بعض ذلك لم يبلغ في الباب مبلغ غيره فألقيناه، أو لأن فيما ذكرنا كافيًا ومغنيًا، وليس من كتاب إلا وهذا ممكن فيه لمن أراده٥، وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أنّ المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع، وفي دون ما ذكرنا مبلغ الغاية التي قصدناها، وبالله التوفيق.
_________
١ صدر البيت:
أوردتهم وصدور العيس مسنفة
"راجع ٣٤٧ صناعتين، ٩٦ نقد الشعر"، ويروى: أوردتها، والبيت لعبد الرحمن بن علي بن علقمة بن عبدة، مسنفة "بصيغة اسم المفعول": أي مشدودة بالسناف "بكسر السين" وهو خيط يشد من حقب البعير إلى تصديره ثم يشد في عنقه إذا أضمر "مادة سنف في اللسان"، منحور: أي مستقبل "بصيغة اسم المفعول" كما في مادة نحر في اللسان، والكوكب الدري: المضيء الثاقب نسب إلى الدر لبياضه. ومعنى البيت: أنه أورد هذه الإبل الضامرة -أو أورد القوم الذي كان رائدًا لهم- منهل الماء والإبل في نهاية الكلال والليل تضيء كواكبه وتبعد إشراق الصباح عنه فكأنها نحرته. قال قدامة: أشار إلى الفجر إشارة ظريفة بغير لفظه. وقال أبو هلال: وليس في هذا البيت إشارة إلى الفجر؛ بل صرح بذكر الصبح، وقال: هو منحور بالكوكب الدري أي صار في نحره، ووَضْعُ هذا البيت في باب الاستعارة أولى "٣٤٧ صناعتين".
٢ هي لإبراهيم بن يزيد النخعي فقيه العراق سنة ٩٦هـ. وخالص كل شيء: هو مخه، والمراد أنها الروح المدبرة للعمل، كما سيأتي في الكتاب.
٣ هو رد أعجاز الكلام على ما تقدمها.
٤ هو المذهب الكلامي.
٥ وذكر أرسطو: أنه مطلق لكل أحد احتاج إلى تسمية شيء ليعرفه به أن يسميه بما شاء من الأسماء "ص٧٤ نقد النثر ط ١٩٢٧".
1 / 75