زمانهم حتى سُمي بهذا الاسم فأعرب عنه ودلّ عليه، ثم إن حبيب١ بن أوس الطائي من بعدهم شُعفَ٢ به حتى غلب عليه وتفرع٣ فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبى الإفراط وثمرة الإسراف، وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفنّ البيت والبيتين في القصيدة، وربما قُرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع، وكان يُستحسنُ ذلك منهم إذا أتى ناردًا ويزداد حظوة بين الكلام المرسل، وقد كان بعض العلماء يشبه الطائيّ في البديع بصالح بن عبد القدوس٤ في الأمثال، ويقول: لو أن صالحًا نثر أمثاله في شعره وجعل بينها فصولًا من كلامه لسبق أهل زمانه، وغلب على مدّ٥ ميدانه، وهذا أعدل كلام سمعته في هذا المعنى٦.
_________
١ ولد بجاسم من قرى حوران بالشام عام ١٩٠هـ ورحل إلى مصر صبيًّا فتروى الأدب وأكثر من حفظ الشعر وعالج نظم القريض حتى أجاده، ثم رحل إلى بغداد ومدح المعتصم وولي بريد الموصل، واشتهر أبو تمام بقوة الحافظة وألف "الحماسة" و"فحول الشعراء" و"نقائض جرير والأخطل" وغير ذلك، ويمتاز شعره بتخير اللفظ وتجويد الصياغة ودقة المعاني وتكلف البديع، مات سنة ٢٣١هـ.
٢ شعفه الحب: أمرضه أو أحرق قلبه، وشُعف بكذا على البناء للمجهول.
٣ تفرعت أغصان الشجرة: كثرت. وتفرع القوم: ركبهم، وفرع من هذا الأصل مسائل جعلها فروعه فتفرعت.
٤ شاعر حكيم متكلم كان يعظ الناس في البصرة، اتهم بالزندقة وقتل ببغداد نحو سنة ١٦٠هـ.
٥ المد: السيل، ومد البصر: مداه.
٦ بسط الجاحظ ذلك الرأي في البيان والتبيين "نشر السندوبي عام ١٩٢٦" ١٥٠ ج١، وألم به ابن رشيق في العمدة "٢٥٥/ ١".
1 / 74