فالعقل يدرك صور الأشياء بما يصير إليه من تخيل التوهم، فيكون الشىء المدرك إما مطلوبا، وإما مهروبا عنه بغير حس، كالذى يكون منه فى حال توهمه: 〈مثلا〉 إذا ظهرت النار على المنار منذرة بالحرب، فانه يتحرك كما قد أحس بالنار؛ وبالجملة يعلم إذا رأى النار بأنها منذرة حرب. فأما إذا صار إلى التفكر والارتياء فيما يأتى وفيما حضر فرأى أن أحد الأمرين لذيذ أن يسرع اليه، والآخر كريه، أهل ان يدفع عند ذلك إما هرب وإما جذبه الطلب؛ وإذا كان فى هذا 〈كانت〉 الحركات فى عمل ألبتة. والصدقة والكذب، وإن لم يكونا فى عمل، فهما فى مثل هذا الحس من الخير والشر، إلا أن هناك فصلا فى الجملة.
وإدراك العقل الأشياء المعراة من الهيولى كادراك الشىء ذى الفطوسة من الأفطس، فان الأفطس لا يكون أفطس بغير هيولى. وإذا كان إدراك العقل من الفطوسة غورها وعمقها على حيالها، كان إدراكه إدراكا بغير جزء من اللحم؛ وكذلك الأشياء المعلومية ليست بمفارقة الهيولى إلا بالتوهم. — وفى الجملة العقل يدرك الأشياء إذراك فعل. وسننظر أخيرا إن كان يمكن العقل، وهو فى الجسم، إدراك شىء من مفارقات الأجساد، أو ليس يمكنه ذلك.
[chapter 25: III 8] 〈العقل والحس والخيال〉
أما فى وقتنا هذا، 〈ف〉لنوصل ما لنا فى النفس ولنردد القول فيها: إن النفس هى جميع الأشياء. والأشياء إما محسوسة، وإما معقولة. فالمعقولة إنما صارت معقولة بالعلم، والمحسوسة محسوسة بالحس. وينبغى أن ننظر كيف يكون هذا.
Страница 78