وكذلك حال العلم بالفعل. وأما العلم الذى فى حد القوة فانه فى الواحد أقدم بالزمان، وفى الجملة لا فى الزمان، لأن الجميع كان من شىء قائم بالانطلاشيا. فاذ فى الظاهر قد نرى الشىء المدرك بالحس مبديا بفعله، وإنما كان من الحاس فى حد القوة وليس يألم ولا يستحيل. من أجل ذلك صار هذا ضرب حركة غير الضروب الأخر، لأن الحركة إنما هى فعل ناقص. وأما الفعل فانه بالجملة غير ذلك، وإنما هو حركة شىء متمم. — فالادراك بالفعل شبيه أن يقال 〈إنه〉 قول فقط؛ فأما إدراك الشىء بأن يتلذذ به أو يكره، فهذا شبيه بالاثبات أو بالنفى، فيكون الانسان إما طالبا وإما هاربا؛ والتلذذ والاستبشاع فعل القوة الحاسة فى الجيد والردىء بموضع الاعتدال والتوسط. وكذلك حال الشهوة والكراهية وحد الفعل ليس هذا ولا هما غير الشىء الحاس، وهما غير من جهة الآنية. — وأما عند النفس الناطقة فالتخييل بمنزلة الأشياء المحسوسة، فاذا ميزته وكان إما جيدا وإما رديئا جاز أن يكون شبيها بالسالبة أو بالموجبة فتطلبه أو تهرب عنه. لذلك لا تفهم النفس شيئا أبدا بغير شىء يتخيل لها عن التوهم، كما أن الهواء جعل الحدقة مثال كذا وكذا، والحدقة جعلت شيئا آخر — كذلك السمع؛ إلا أن الغاية فى الأصل غاية واحدة وتوسط واحد من الاعتدال، وهى من جهة الآنية كثيرة. وقد قيل أولا بماذا يميز العقل الأشياء فيعرف فصل الحلو والحامض، فلنقل عنهما فى هذا الموضع. فالكلام فى هذا الفن والكلام فى الحد كلام واحد، وذلك لأمرين: إما لأنها يعادل بعضها بعضا، وإما مكان العدد الذى هو لها. ولا فصل فى مسألة السائل إذا قال: كيف يقضى العقل على الأضداد وعلى التى ليست بمشابهة فى أجناسها كالأبيض والأسود؟ فليكن الجسم عند الدال من جهة المثال كمثل حال «الألف» عند «الباء»: و«الألف» دلالة الشىء الأبيض، و«الباء» دلالة الأسود. فنحن إن عكسنا فجعلنا «الجيم» و«الدال» لشىء واحد، كانت «الألف» و«الباء» بمثل تلك الحال، إلا أنهما من جهة الآنية ليسا بشىء واحد. وكذلك حال العقل فى إدراكه: بأن كانت «الألف» دلالة الحلو، و«الباء» دلالة الأبيض.
Страница 77