فلننظر فى جزء النفس الذى به تدرك النفس وتعقل: أمفارق هو كمفارقة الجسم الجسم؟ أو إنما مفارقته بالمعنى وليس هو بمفارق ألبتة؟ وأى فصل له؟ وكيف يكون منه الفهم؟ — 〈هل هو〉 كمثل الإدراك بالحس فيألم بالمعقول بضرب من ضروب الآلام، أو هناك نوع آخر؟ و〈لا〉 ألم فيه ولا يحتمل التغير. وكيف قبوله: بالصورة أم بالقوة؟ — لا بحال واحدة، فيكون العقل عند المعقول بمنزلة الحس عند المحسوس، أم قبوله الصورة بضرب آخر؟ وبالاضطرار إذا كان هذا الجزء يعقل الجميع، ألا تكون المعانى يخالط بعضها بعضا فيكون ذلك الجزء ممسكا لها كما قال أنكساغورس، وإنما يكون هذا منه لكى يعرف القريب، فاذا ظهر له منعه ودفعه. لذلك ليس له طباع إلا طباع الامكان. فلا محالة أن عقل النفس المسمى عقلا (وهو الذى يتفكر به فيرى الرأى أيه) ليس بموجود فى شىء من الأشياء بالفعل قبل أن يدرك الشىء بفهمه. ولذلك لا يجب أن يكون مخالطا للجرم ولا يوجب أن يكون متكيفا إما حارا وإما باردا، ولو كان مثل الحاسة وجب ذلك له؛ إلا أنه ليس كشىء منها. وجاد ما قال القائلون إن النفس مكان «للصور»، إلا أن هذا المعنى ليس لكل نفس ما خلا النفس العاقلة فقط فانها مكان للصور بحد القوة لا بالفعل. — والدليل على الفرق بين المدرك للأشياء بالعقل، وبين المدرك لها بالحس ما نراه من حال الحاس والأعضاء الحاسة، وأن الحس لا يدرك إدراك الدون إذا أدرك المفرط من المحسوس: قرعا كان، أو ناصعا من الألوان، أو شديدا فى بشاعة رائحته: فلا البصر عند مثل هذا يبصر، ولا المنخر يشم، ولا السمع يسمع. ولا يمتنع الفعل إذا أدرك شيئا من ذوى اللطافة والغموض من أن يكون دراكا لما دونه بأكثر مما أدرك ذاك الأول: والحس لا يكون بغير جسم، فأما العقل فيفارق الجسم. فاذا كان كل ما ذكرنا بالحال التى قلنا قبل: إن العقل مثل العالم الفعال (وإنما يكون هذا إذا أمكنه أن يبدأ به الفعل) وبعد أن يعلم إذ علم أنه عالم فى حد القوة، ولا سواء قبل أن علم وقبل أن وجد العلم؛ ويمكنه فى ذلك الوقت أن يعقل نفسه.
Страница 73