〈و〉أيضا ليس التوهم من التى تصدق أبدا كالعقل أو العلم، وذلك 〈أن〉 التوهم قد يمكن أن يكون كذبا. والذى بقى علينا النظر: فعسى أن يكون التوهم خطر بالهاجس، فان الخطر قد يكون صدقا، وقد يكون كذبا، أوعسى أن يكون رأيا، لأن التيقن آية اللاحق بالرأى (وذلك أنه لا يمكن أحدا أن يرى رأيا لا يتيقنه)، وليس لشىء من الدواب تيقن، والتيقن موجود لأكثرها، والتيقن لاحق لكل من يرى 〈رأيا〉، والقنوع لاحق بالتيقن، والنطق يتبع القنوع؛ والتوهم يكون للقليل من الدواب، وليس لها نطق ألبتة. — فبهذا قد استبان أنه ليس التوهم ظنا، لا مع حس ولا بحس ولا التركيب من الظن والحس توهم، ولا شك أن الظن لا يكون إلا لمن له حس؛ وأزعم أن التركيب الذى يكون من الحس بالأبيض، والنطق فيه هو التوهم، وليس التوهم من ظن الخير وإدراك الأبيض، والذى يظهر هو الذى يظن وإياه يدرك حسا بغير عرض. وتظهر أشياء وهى كذب والنطق بها صادق: كما أن الشمس تظهر بمقدار قدم، واليقين بها أنها أعظم من الدنيا. ينتج من ذلك إما أن يطرح الإنسان الظن الذى كان منه، وهو سالم فى الأمر لم يتألم ولا أنه نسيه ولا أنه قنع بغيره فانتقل عنه، وإما أن يقيم على ذلك الظن فيكون ظنه بالاضطرار صدقا وكذبا 〈معا〉. وإنما يكون ظنه كاذبا إذا ذهب علم الشىء عليه جملة، أو تغير الأمر. فلا محالة أن التوهم لا يكون من هذه التى ذكرنا أولا، ولا هو فى نفسه شىء منها.
Страница 71