والواضح من القول إنما كون من الغامض، والمشروح من المبهم، فلزم الكلام فى النفس أيضا. فانه ينبغى للحد أن لا تكون فيه دلالة على آنية الشىء فقط دون أن يبين عن علته. وأما فى وقتنا هذا فان الكلام إنما هو كنتائج للحدود؛ وكأن سائلا سأل عن ذى الأربع زوايا: ما هو؟ فيقال له إن ذى الأربع زوايا هو المتساوى الطولين قائم الزوايا متساوى الأضلاع. وهذا الحد هو النتيجة. وأما الحد الذى يقول إن تربيع الزوايا هو وجود الخط الواسطة، فانما يقول نفس العلة.
فنحن مبتدئون بالنظر وقائلون إن الحياة فصل بين ذى النفس وما لا نفس له. وضروب «الحياة» تقال بجهات كثيرة، ولو لم يحضر الشىء منها غير واحد لقلنا إنه حى: وهذه ضروب الحياة: الادراك بالعقل، والادراك بالحس، وحركة الانتقال والوقوف، وحركة الغذاء والنماء والاضمحلال. — وكذلك نرى حياة كل ذى حياة: فقد ظهر للعيان أن للنامية قوى بها تغتذى وبها تضمر فى أما كنها المختلفة. وذلك أن نماءها لا يكون إلى 〈ناحية〉 العلو فقط دون أن يكون إلى ناحية السفل، بل ينمو من الجهتين جميعا ويغتذى من كل ناحية فتبقى أحياء إلى آخر منتهاها ما كانت بها طاقة لاجتذاب الغذاء. — وهذا الضرب من الحياة قد يمكن مفارقته سائر الضروب، ولا يمكن غيره مفارقته. وهذا ظاهر فى ذى النماء، لأنه ليس فيها قوة واحدة إلا قوة نفس.
فذوو الحياة إنما تحيا من أجل هذه الأولية فيهم. وأما الحيوان فانه يقدم على غيره من الأحياء من أجل حسه. وأما التى لا تتحرك ولا تنتقل عن أماكنها بعد أن يكون لها حس نزعم أنها حيوان ولا نكتفى فى أن نسميها أحياء. واللمس أول ما يكون فى ذوى الأنفس من الحس. وكما أن القوة الغاذية قد يمكنها مفارقة قوة اللمس ومفارقة كل ضرب من ضروب الحس، كذلك يمكن قوة اللمس مفارقة سائر الحواس. وإنما نريد بالقوة الغاذية جزء النفس الموجود فى ذى النماء. وأما الحيوان فظاهر أن لجميعه حس اللمس. وسنخبر أخيرا لأية علة كان هذا هكذا.
Страница 32