يا من يلوم على حمراء صافية ... صر في الجنان ودعني أدخل النارا
٥٤- أبو هفان قال: حدثت أن أبا نواس كان يحب غلاما وكان الغلام يختلف إليه ثم إنه فقده أياما وطلبه فلم يقدر عليه فمر بمجلس منصور بن عمار وهو غاص بأهله ما بين قائم وقاعد وهو يتصفح وجوههم فرأى الغلام قاعدا وسط الحلقة وقد بدأ المنصور بصفة النفخة والصور ثم وصل ذلك بصفة الجنة والحور ثم بصفة النار وما أعد الله لأهلها من أليم العذاب والناس حوله يبكون ويزفرون ويصعقون ونظر إلى الغلام يبكي فبكى أبو نواس رحمة ورقة عليها فمر به صديق له فقال: يا أبا نواس متى صرت تشهد مجالس القصاص وتبكي؟ الحمد لله الذي أناب لك ووفقك فأنشأ يقول مجيبا له:
لم أبك في مجلس منصور ... شوقا إلى الجنة والحور
ولا لذكر النار من حرها ... أجل ولا النفخة في الصور
لكن بكائي لبكا شادن ... تقيه نفسي كل محذور
أحسن من مجلس منصور ... ضرب بدف أو بطنبور
٥٥- أبو هفان قال: حدثني يوسف ابن الداية: أن أبا نواس حضر يوما منادمة الأمين فأنشده فقال له محمد: قد قلت يا أبا نواس بيتا من شعر إن انت أجزته فلك ألف دينار وإلا أخذت منك ألفا. قال: ما هون يا أمير المؤمنين؟ قال: قد قلت:
رب يوم لهوت بلا مدام ... بل بشطرجنا يجيل رخاخا
قال فأطرق أبو نواس ساعة مفكرا حتى ظن أنه قد عجز وأفحم فقال: يا أمير المؤمنين أعد البيت ولك بيتان فأعاد عليه فأنشأ أبو نواس:
وسط بستان مجلس في جنان ... قد علونا مفارشا ونخاخا
إذ حوينا من الظباء غزالا ... طيبا لحمه يفوق المخاخا
قد نصبنا له الشباك زمانا ... ونصبنا مع الشباك فخاخا
ثم صدناه بعد خمس شهور ... عند نهر يسيح ماء سخاخا
لأمين متوج ذي جمال ... دام في الملك ساميا سمخاخا
فأمر له بخمسة آلاف دينار فقبضها وانصرف.
٥٦- أبو هفان قال: حدثني يوسف ابن الداية قال: كان أبو نواس قاعدا عندنا في سوق الرقيق وهو يعترض الجواري فاشترى عدة وباع عدة وكن حسان الوجوه آخذات بالألباب فقال له: يا أبا علي تترك مثل هؤلاء اللواتي يرغب فيهن وترغب في الغلمان؟ فأنشأ يقول مجيبا من ساعته: ٥٧-أبو هفان قال: حدثني محمد بن سعيد: إنه قيل لأبي نواس: إن أم لاربيع من مولدات اليمامة ةوأباه من مولدي المدينة، قال: إماء المدينة في نسائهم فنما الخبر إلى الربيع فلم يزل به حتى حبسه وطالبه بالزندقة وادعاها عليه وأراد أن يوجبها عليه بين يدي الرشيد فجمع له الفقهاء ودس إليهم الأموال وبعث إلى من كان يحسده من الشعراء فأحضرهم ثم قال له: ألست القائل:
يا أحمد المرتجى في كل نائبة ... قم سيدي نعص جبار السموات
قال: بلى. قال: يا أمبر المؤمنين، كافر. ثم اتفت إلى من حضر فقال لهم: ما تقولون يا معشر الفقهاء والشعراء؟ قالوا: صدق يا أمير المؤمنين. قال أبو نواس: يا أمير المؤمنين إن كانوا قالوا بعقولهم فسلحا وإن كانوا بآرائهم فقبحا لهم، أنى يكون زنديقا من يقر أن للسموات جبارا. قال الرشيد: صدقت، قم عني. فلم يزل الربيع يرصده بعد ذلك ويتطلب سقطاته ويشيع عوراته حتى قال:
ما جاءني أحد يخبر أنه ... في جنة مذمات أو في نار
فحبسه بهذا البيت وانطلق لسانه بالقول فيه وانحسر عن أبي نواس من كان يعاونه.
٥٨- أبو هفان عبد الله بن أحمد قال: أخبرني رواة أبي نواس وأصحابه منهم محمد بن حرب بن خلف بن مهزم - وهو عم أبي هفان - وسلمان سخطة واليؤيؤ والجماز البصريون ويوسف ابن الداية وعلي بن أبي خلصة وأبو دعامة البغداديون: أن أبا نواس ولد بال أهواز بالقرب من الجبل المقطوع سنة ست وثلاثين ومائة ومات ببغداد سنة خمس وتسعين ومائة فكان عمره تسعا وخمسين سنة ودفن في مقابر الشونيزي في تل اليهود ومات في بيت خمارة كان يألفها.
1 / 20