وقاطع الدين على لذة ... وحابس للقدح الدائر
وشاطر ليس له غرفة ... يطير فيها مائتا طائر
فقال له شعبة: أحسنت والله يا فتى وما يؤنسني مجونك من صلاحك ما جتنبت من الكبائر. أنك لظريف أديب فلا تشن أدبك بالفسق والفواحش وأرجو مغفرة الله لك مع حسن اعتدالك وكمال طبعك.
٤٧- أبو هفان قال: حدثني ابن أبي خاصة ويوسف ابن الداية قالا: حججنا مع أبي نواس سنة تسعين ومائة فبينا هو في الطواف إذ بصر بمحمد بن إسماعيل بن صبيح وكان بارعا جميلا فأنشأ:
لم يتسنى السعي والطواف ولا ال ... ساعون لما ابتهلت وابتهلوا
٤٨- أبو هفان قال: حدثني محمد بن سعيد: أنه لقي أبا نواس قبل موته بجمعة وقد تأله وتقشف فقال له: يا أبا علي ما هذا إلى كم يكون الشذوذ عن الله والتهور في الضلالة؟ فقال: لا عدت والله في الضلالة ولا في معصية ما حملت عيني الماء وإن نفسي لتتقطع حسرات على ما فرطت من سوالف ذللي. فلما كانت الجمعة الأخرى قيل لنا: الحقوا جنازة أبي نواس.
٤٩- أبو هفان قال: حدثني يوسف ابن الداية قال: كان أبو نواس كتب إلى الحسين الخادم وهو محبوس أن يوصل له هذه الأبيات إلى الرشيد وهي:
بعفوك بل بجودك عذت لا بل ... بحقك يا أمير المؤمنينا
فلا يتعذرن علي عفو ... وسعت به جميع العالمينا
فإني لم أخنك بظهر غيب ... ولا حدثت نفسي أن أخونا
براك الله للإسلام عزا ... وحصنا دون بيضته حصينا
وقد أذللت أهل الشرك حتى ... تركتهمو وما يترمرمونا
تزورهمو بسيفك كل عام ... زيارة واصلين لقاطعينا
ولو شئت اكتننت إلى نعيم ... وقاسي الأمر دونك آخرونا
فشفع حسن وجهك في أسير ... يدين بحبك الرحمن دينا
إذا ما الهون حل بمستجير ... فليس لجار وجهك أن يهونا
قال الحسن الخادم فتوخيت وقتا كان أمير المؤمنين طيب النفس فيه فأوصلتها فقرأها وقال: لا والله أو يتوب وتصح توبته.
٥٠- أبو هفان قال: حدثني أبو عبد الله الحسين بن أبي المنذر قال: كان أبو عيسى بن أبي جعفر المنصور شديد المحبة لأبي نواس فلما حبسه الرشيد في شرب الخمر وفيما يذكره في شعره من العظائم كتب إلى أبي عيسى بهذه الأبيات يسأله أن يشهد له بالتوبة عند الرشيد قال:
بلغ الصوت فنادي ... يا أبا عيس الجوادا
كن عمادا يا ابن من كا ... ن غياثا وعمادا
وتدارك جسدا قد ما ... ت أو قد قيل كاد
قل له- إن قال: هل تا_ب-: نعم تاب وزادا
واضمن التوبة عني ... فإذا ما عدت عادا
قال فكلمه أبو عيسى فيه حتى أطلقه: ٥١- أبو هفان قال: حدثت أن أبا نواس كان يشرب مع الأمين فنشط الأمين للسباحة فلبس ثياب ملحم ولبس كوثر مثل ذلك ووقعل في البركة فنظر أبو نواس إلى بدن محمد فرأى شيئا لم ير مثله قط فلما كان من غد، غدوت لأسأله عن خبره معه فقال لي: ويلك رأيته فرأيت بلية لا توصف وفتنة لا تطاق ثم أنشأ يقول:
إني لصب ولا أقول بمن ... أخاف من لا يخاف من احد
إذا تفكرت في هواي له ... مسست رأسي هل طار عن جسدي
إني على ما ذكرت من فرق ... لآمل أن أناله بيدي
فقلت له: اتق الله في رأسك فإنه إن بلغته قتلك، فأمسك إنشادها وطواها عن الناس جميعا.
٥٢- أبو هفان قال: حدثني الحسن قال: قال لي أبو نواس: اخرج بنا إلى ناحية الكناسة لنتروح فخرجنا نحوها فطفنا ساعة وأبعدنا ثم رجعنا وقد كل وانحزل وانبهر فأنشأ يقول:
يا رب كم وإلى كم ... أمشي ويركب غير
ما إن رضيت بهذا ... يا رب منك لخير
ما أبتغي منك طرفا ... رضيت منط بعير
٥٣- أبو هفن قال: وحدثني العتبي: أن أبا نواس كان عند محمد بن زهير في يوم من أيام شهر رمضان يتحدث وكان محمد شديد المحبة له مغرما بقره فتذاكرا الشراب فقال: يا أبا علي كيف صبرك عنه بالنهار فقال: صبر ضعيف لا أحمده ولا أعده صبرا وإن كنت أستوفي ليلا ما يفوتني نهارا ولو أجد مساعدا نا فقدته وما فقدني في ليل ولا نهار ثم أنشأ يقول:
لو أن لي سكنا في الناس يسعدني ... لما انتظرت لشرب الراح إفطارا
الراح شيء عجيب أنت شاربه ... فاشرب وإن حملتك الراح أوزارا
1 / 19