وقد كان من أثر الطابع العلمي الذي طبع هذا العصر أن تعرض العلم لهؤلاء الإماء يؤلف فيهن الكتب، فألف ابن بطلان كتابه العلمي في تجارة الرقيق.
40
وتبعه غيره، فذكروا أجناس العالم وأوصاف الرقيق من كل جنس، وما يمتزن به، وما يعاب عليهن، والأعضاء وأوصاف الحسن فيها وأوصاف عيوبها، ودلائل الفراسة على حال الغلام أو الجارية، وحيل النخاسين، وكيف يسترون العيوب ... إلخ.
كما فلسفوا الكلام في الحسن، وحاولوا وضع قواعد للجمال، ووجد من يسمى «جهابذة النقد» وهم الخبراء في الجمال، قال أبو الفرج: «أكثر البصراء بجواهر النساء الذين هم جهابذة النقد، يقدمون المجدولة التي تكون بين السمينة والممشوقة، ولا بد أن تكون كاسية العظام ...» إلخ.
وتكلموا في الألوان وحسنها، وقال أبو الفرج الأصفهاني:
41 «يمازج البياض لونان يزيدانه حسنا: الحمرة والصفرة، فأما الحمرة فتعتري البياض من رقة اللون وصحة الدم، وأما الصفرة فتعتري البيض لاستهتارهن وملازمتهن الكن والنعمة والخفض والدعة، وتعتريهن أيضا لملازمتهن التضمخ بالطيب، ويقال إن المرأة إذا كانت عتيقة الحسن ناعمة البدن فإن لونها يكون من أول النهار إلى ابتداء العشية يضرب إلى الحمرة، ومن ابتداء العشية إلى آخر الليل يضرب إلى الصفرة.» وأفاضوا في ذكر محاسن كل عضو وعيوبه من الشعر والجبين والحواجب والعيون والأنوف والخدود والشفاه والثغور والأعناق والمعاصم والأعضاء، والأنامل وتطريفها بالحمرة والسواد، والنحور والصدور والثدي، واختلاف الأذواق في كبرها أو صغرها، والخصور والسوق والأقدام، ومزجوا ما قيل في كل ذلك من التعبير الدقيق في اللغة بما قيل من عيون الأدب بما قاله جهابذة النقد.
كما تفننوا في دقة الفروق بين المغنيات، وفلسفة الغناء، «فعلوة» أحسن ما تكون إذا رفعت عقيرتها، و«نهاية» إذا اندفعت في شدوها، و«بلور» إذا رجعت، و«قلم» إذا تنوأت في استهلالها، وتضاجرت على ضجرتها، وتذكرت شجوها الذي قد أضناها وأنضاها، و«سندس» إذا تشاجت وتدللت وتفتلت وتقتلت وتكسرت.
وتفلسفوا هل الغناء لذة الحس أو لذة العقل؟ ولم يكون الغناء ألذ وأطيب إذا سند المغني آخر؟ وهكذا.
42
وكان الرقيق صنفين متميزين: صنف أبيض، وصنف أسود ويشمل الحبشان؛ فالصنف الأبيض كان من الترك والصقالبة، والأرمن واليونان، وكانت أكثر أسواقه سوق سمرقند ويأتي إليها رقيق تركستان وما وراء النهر والبلغار، وسوق شرق أوروبا وهو يخترق ألمانيا إلى الأندلس، وإلى موانئ إيطاليا وفرنسا إلى الشرق، والصنف الأسود كان يجلب من السودان والحبشة وما إليهما.
ناپیژندل شوی مخ