استحكمت الشحناء وإذا استحكمت الشحناء تقصبت عرى الإبقاء، وشمل البلاء. فقال سبيع: أيّها الملك إنَّ عداوة بني العلات، لا تبرئها الأساة، ولا تشفيها الرقاة ولا تستقل بها الكفأة والحسد الكامن هو الداء الباطن. وقد علم بنو أبينا هؤلاء أنا لهم ردء إذا رهبوا وغيث إذا اجدبوا، وعضد إذا حاربوا، ومفزع إذا نكبوا؛ وأنا وإياهم كما قال الأول:
إذا ما علوا قلوا أبونا وأمنا ... وليس لهم عالين أم ولا أبُ
فقال ميثم: أيّها الملك إنَّ من نفس على أبن أبيه الزعامة وجدبه في المقامة، واستكثر له قليل الكرامة كان قرفًا بالملامة ومؤنبًا على ترك الاستقامة. وإنَّا والله ما نعتد لهم بيد إلاّ وقد نالهم منا كفاؤها ولا نذكر لهم حسنة إلاّ وقد تطلع إليهم منا جزاؤها، ولا تفيا لهم علينا ظل نعمة إلاّ وقد قوبلوا بشرواها. ونحن بنو فحل مقرم لم تغد بنا الأمهات ولا بهم، ولم تنزعنا أعراق السوء ولا إياهم. فعلام مط الخدود وخزر العيون والجخيف والتصعر والبأو والتكبر؟ ألكثرة عدد أم لفضل جلد أم لطول معتقد؟ وإنا وإياهم لكما قال الأول:
لاه أبن عمك لا أفصلت في حسب ... عني ولا أنت دياني فتخزوني
ومقاطع الأمور ثلاثة: حرب مبيرة أو سلم قريرة أو مداجاة غفيرة. فقال الملك: لا تنشط عقل الشوادر ولا تلقحوا العون القواعد، ولا تورثوا نيران الأحقاد! ففيها التلفة المستأصلة والجائحة والأليلة؛ وعفو بالحلم، أبلاد الكلم، وأنيبوا إلى السبيل الأرشد، والمنهج المقصد! فإنَ الحرب تقبل بزبرج الغرور وتدبر بالويل والثبور. ثم قال الملك:
ألا هل أتى الأقوال بذلي نصيحة ... حبوت بها مني سبيع وميثما؟
وقلت اعلما أنَّ التدابر غادرت ... عواقبه للذل والقل جرهما
فلا تقدحا زند العقوق وابقيا ... على العزة القعساء أن تتهدما
ولا تجنيا حربا تجر عليكما ... عواقبها يوما من الشر أشأما