123

فقال الفتى في صوت متردد: نعم، أنا سيف.

فوقف الرجل مبهوتا ينظر إليه حائرا، ثم انفرج فمه عن بسمة ضئيلة وقال: كأنني أرى أبا مرة.

وكان في صوته بقية من حنقه.

وقال سيف في نغمة تشبه الرجاء: لحديثنا بقية يا نفيل.

فطوح الرجل قامته الطويلة قائلا: لا تكون هنا. •••

وسار نفيل مسرعا وسيف يلحق به حتى خرجا، والجمع الداهش ينظر صامتا في إثرهما، كأنها قطعة من ألاعيب الملهى قد دبرت وأحكم تدبيرها، وبقيت طليبة في موقفها حينا وهي مشدوهة ثائرة الأنفاس، تشخص ببصرها إلى حيث انصرف الخصمان، ثم مالت على الخنجر الملقى على الأرض، فأخذته وأسرعت تجري نحو خبائها، حتى إذا ما صارت وراء الستر ألقت بنفسها على أريكة، واستخرطت في البكاء.

وسار نفيل وسيف بعد خروجهما يسرعان الخطا في صمت، لا يسأل أحدهما إلى أين، وكان ضوء القمر الذي أوشك أن يكتمل يفيض على الفضاء الرملي الذي يحف بالخيام المتراصة، وأنوار المصابيح تخفق بينها خافتة كأنها يراعات تسنح ثم تختفي. وعرج نفيل نحو ربوة منعزلة فصعد فيها لا يلتفت إلى ورائه، وسيف يسائل نفسه ماذا عساه يفاتحه به، وماذا يمكن أن يقع بينهما بعد ذلك التحول السريع الذي نزعهما من النزال العنيف. والتفت نفيل إلى سيف عندما بلغ رأس الربوة، واستقبل وجهه بنظرة طويلة وأشعة القمر المائلة تسطع عليه، ثم وضع يديه على عضديه قائلا: أي فتى لو قتلتك!

وكان في صوته هزة، كأنه صياد يتأمل شابا من الوعول ويعجب بمحاسن أعضائه.

فتبسم سيف هادئا وقال: ولو قتلتك لفاتتني بقية حديث أود سماعه.

وكان في صوته نغمة من التحدي.

ناپیژندل شوی مخ