============================================================
بعباده قوما وجدت فيهم دلائل التقوى، وأعلام الورع، وإيثار الآخرة على الأولى.
*ووجدت إرشادهم ووصاياهم موافقة لأفاعيل أئمة الهدى، مجتمعين على نصح الأمة، لا يرجون أبدا في معصية، ولا يقنطون من رحمة، يرضون أبدا بالصبر على البأساء، والرضا بالقضاء، والشكر على النعماء، يحبيون الله تعالى إلى العبيد بذكر أياديه وإحسانه، ويحثون العباد على الإنابة إلى الله تعالى علما بعظمة الله تعالى، علماء بعظيم قدرته، وعلماء بكتابه وسنته فقهاء في دينه علماء بما يحب ويكره، ورعين عن البدع والأهواء تاركين للتعمق والإغلاء، مبغضين للجدال والمراء، متورعين عن الاغتياب والظلم، مخالفين لأهوائهم، محاسبين لأنفسهم، مالكين لجوارحهم، ورعين في مطاعمهم وملابسهم وجيع أحوالهم، متقللين من المباخ، زاهدين في الحلال، مشفقين من الحساب، وجلين من المداد، مزرين على أنفسهم من دون غيرهم : لكل امرىء منهم شأن يعنيه، علماء بأمر الآخرة، وأقاويل القيامة، وجزيل الثواب، وأليم العقاب، وذلك أورثهم الحزن الدائم، والهم المقيم، فشغلوا عن نعيم الدنيا ونديها.
"ولقد وصفوا من آداب الدين صفات، وحددوا للورع حدودا ضاق لها صدري، وعلمت أن آداب الدين، وصدق الورع بحر لا ينجو من الغرق فيه شهي ولا يقوم بحدود مثلى، فتبين إلي فضلهم، واتضح لي نصحهم، وأيقنت أنهم العاملون بطريق الآخرة، والمتأسون بالمرسلين. فأصبحت راغيا في مذهبهم، مقتبسا من فوائدهم، محبا لطاعتهم. لا أعدل بهم سببا، ولا أوثر عليهم أحدا في هذه الوثيقة الخطيرة يؤرخ المحاسبي للحركة الدينية في عصره على غير ما ارخ لها المؤرخون التقليديون الذين يمكن أن نسميهم بمؤرخي الحكومات . أولئك المؤرخون الذين يثبتون في سجلات التاريخ ما يشرح صدور الحكام وإن كان يشيع القتام في سماء الإسلام.
مخ ۳۱