============================================================
فعلى الرغم من أن التاريخ التقليدي يشيد بالنهضة العلمية في عصر المحاسبي فإن المحاسبي يتبع أصناف علياء الإسلام بالفحص والنقد، حتى يصل الى أن العلماء الذين يصلون الحياة الدنيا بالدار الآخرة، ويوقنون بكل غيب غير مدرك بالحواس يقينا يضع ذلك الغيب موضع المشاهدة المنظور القريب، ويحول القلوب إلى نبض من الخوف والرجاء والالتزام بالقلوب والجوارح لا التزاما حرفيا خاليا من روح الحياة التي يبثها القلب في الحركات والأعمال وهذا النوع من العلماء كان أقل من القليل في عصر المحاسبي، فيما بالنا وفيما بعد عصره.
كان العلماء يتزاحمون على أبواب السلاطين، ولكن القليل منهم هم الذين كانوا ينأون عنهم، ويحذرون من مجالسهم ... فالامام أحمد أغلق بابا كان بينه وبين ابنه صالح، لأنه قبل عطاء من السلطان، وعلى فراش الموت لا يجد ما يكمل به كفارة يمين فيتقاضاها من أجر قليل لعقار كان يعيش منه . والمحاسبي يصيبه الضر من الجوع ويرفض ميراثه من أبيه ورعا لأنه كان قدري المذهب ..: ولكن أمثالها لم يكونوا كثرة تتوازن مع أعداد العلماء في ذلك العصر، بل كانوا قلة بك عنها المحاسبى جهده، ووصفهم بوصف يأباه الكشير من العلماء وهو آنهم كانوا من أهل خول الذكر، وأهل الخفاء . أي من الذين يكرهون الشهرة والأضواء، ويعشقون العمل في خفاء وكتمان كانت الرؤوس قد فسدت ففسد الشعب، وكان على العلماء أن يشخصوا المرض ويصفوا العلاج وكان تشخيص المرض يحتاج إلى خبرة نفسية هائلة، لأن الناس كانوا قد أصيبوا بحالة من "الأرق الفكري، . أي ان هناك السمت الإسلامي، والعمل غير الإسلامي. وهناك اللسان اللهج المجادل المناقش في قضايا الإسلام، والخواطر الشيطانية المعارضة لنقاء الإسلام . .. وكان المحاسبي فيما يبدو لنا هاويا للتحليل النفسي، والكشف عن العقد وحلها على ضوء الإسلام النقي القائم على الكتاب والسنة وسير الخلفاء الراشدين.
يروي الجنيد البغدادي أن المحاسبي كان يخرجه من بيته إلى الصحراء ثم يقول له: سلني عما لقيت من نفسك، فيساله والحارث يجيب، ثم يمضي الحارث إلى بيته فيسجل تلك المناقشات، ويصنع منها كتبأ.
مخ ۳۲