234

============================================================

فاذا عرفته بهذه المعرفة، وعاديته بهذه العداوة، توحشت منه آشد من توحشك بظاهر مشاهدته، وخفت آن تميل إلى مصالحته، فيعقبك من ذلك العطب قلت : رحمك الله، يكون أحد يقبل من يبغضه، ويطيع من هلكه ؟

قال: تلحقه هذه الفروع لعلة الغفلة، ويخالفه في الأصول لمعرفته، لأته في عقد الايمان مبغض له، معتقد له العداوة، ولا يقبل منه نصيحة ولا يجيبه الى نزغة ولاخطرة.

وأما في الفروع فإنه يقبل عليه بمطالبته، ويريه أنه ليس بضار ما يدعو اليه، وقد غلب عليه الهوى، وجرته أسباب الرخصة، وأسرته الفتنة، فعمى عن البصيرة، وانقاد له بالغفلة، من مواطأته في الفروع، وهو معتقد مخالفته في الأصول(6).

فالنجاة في لزوم دوام مخالفته، والحذر منه، ثم لزوم الورع (6) تساعل المحاسبي : هل يعلم الشيطان ما تحدث به النفس فيعارضها بالصد عن الخير؟ وأجاب : بأن الشيطان طالت مقارنته للانسان، وتفقده لأحواله، حتى لم تخف عليه حاله، فعرف مطالبه ومذاهمبه فعند كل خير صده عته هذا من غير علم منه بما يحدث غير انه علم ان خيرا قد أحدثه العبد، وكذلك يعلم أن شرا قد احدثه، لا يعلم أي خير ولا اي شر: ثم تساءل : هل يدعو الشيطان إلى خير يريد الصد به عن خير اكبر منه 4 وأجلب بقوله: معاذا الله ان يكون من اعمال الشيطان الدعاء إلى خير قل او كثر لأن الله تعالى يقول : (انما يامركم بالسوه والفحشاء) (البقرة: 129) . ولكن الإنسان اذا عظمت رغبته في الحير وفي الطاعة فقد يفعل من الخير الأقل بدعائه له الا يفعل . أي هو يدعوه الا يفعل ولكن العبد يفعل القليل بعد أن كان يفعل الكثير . (أعمال القلوب والجوارح 80 - 83).

والحيلة التي اشار إليها المحاسي هنا لإضلال الناس في الفروع . وعدم التعرض لهم في الأصول تتهي الى تضييع الأصول، فسما الفروع إلا لتقوية الأصول، فإذا اعملت ضعفت العقيدة في الأصول، ثم وهنت، ثم زالت، وان بعثت في الظاهر .. وهي بعينها نفس الحيلة الي يستخدمها أعداء الإسلام في حربه، إذ يزينون للناس كل ما يصرفهم عن الفكر العميق ورعاية النفس ومراقتها، ومن ثم تنطلق في فنون الموى 1

مخ ۲۳۴