فشك في عالم أنه من مصاديق الفاسق أولا ، لم يمكن التمسك على وجوب إكرامه بعموم أكرم العلماء ، كما لا يمكن التمسك على حرمته بعموم لا تكرم الفساق ، وقيل بالجواز.
أما تقريب الأول فهو أن أصالة العموم إنما تكون حجة لأن يرفع بها الشبهة في المراد ويكون هذا في مقام كان المتكلم قادرا على رفع التحير عن الشاك ، وبعبارة اخرى مقام إجراء أصالة العموم ما إذا صح السؤال عن المتكلم بأن يقال له : ما أردت من قولك : أكرم العلماء مثلا ، وأما إذا كان مراده واضحا وكانت الشبهة ممحضة في المصداق كما هو المفروض فليس المقام صالحا للسؤال عن المتكلم فلا يسأل عنه أن هذا الرجل العالم فاسق أم لا ، فربما يكون المتكلم أيضا متحيرا في ذلك.
وأما تقريب الثاني فهو أنه لو ورد أكرم العلماء مثلا ثم لا تكرم الفساق من العلماء ، فلا شك أن الأول عام لجميع الأفراد من العادل والفاسق ، والثاني إنما نجعله محدودا بقدر الحاجة فنقول : وإن كان بحسب الواقع ليس في البين إلا فردان ، عادل وفاسق إلا أنه يحصل بحسب الحالات ثلاثة أفراد ، الأول معلوم العدالة ، والثاني معلوم الفسق ، والثالث مشكوك العدالة والفسق ، فالعام بالنسبة إلى معلوم الفسق مخصص قطعا ، كما أن معلوم العدالة باق تحته بلا كلام ، وأما المشكوك فالمانع عن شمول العام أنه إذا كان فاسقا في الواقع كان محرم الإكرام وهو ينافي وجوب إكرامه.
والجواب أن هذا بعينه هو ما تخيله ابن قبة ، وأجابوا عنه بأن الحكمين طوليان ولا منافاة بينهما ، فكما نقول : إن الخمر حرام واقعا والمشكوك منه حلال فكذا نقول هنا : لا منافاة بين كونه واقعا محرم الإكرام وكونه بحسب الظاهر داخلا في عموم أكرم.
وبالجملة ، لا مانع من العموم بالنسبة إلى الفرد المشكوك ، وأما قولك إن أصالة العموم في مقام كان رفع الشك مقدورا للمتكلم ، وهاهنا ليس رفعه بيده نقول : لا شك أنه يقدر على رفع الشك من حيث جعل الحكم في الموضوع المشكوك ، فهو وإن كان قد لا يقدر على رفع الجهالة من حيث العدالة والفسق إلا أنه يقدر على أن الفرد المجهول داخل تحت حكم العام أولا ، فالمقام مقام السؤال عنه لرجوعه إلى إرادته.
مخ ۲۸۶