[19_2]
[أ]
أساليب جديدة فحاكوها؛ وظلوا
مع هذا أكثر ميلا إلى الفطرة اقتصارا على المعاني. وزعم ابن خلدون أن المتأخرين استعملوا أساليب الشعر وموازينه في المنثور؛ وأنهم هجروا المرسل وتناسوه خصوصا أهل المشرق. قال: وهو غير صواب من جهة البلاغة لما يلاحظ في تطبيق الكلام على مقتضى الحال، من أحوال المخاطب والمخاطب؛ هذا ما قاله. والأندلسيون من المتأخرين لم يكونوا في السجع والتطويل دون المشارقة على ما تقرأ ذلك في نفح الطيب وقلائد العقيان ومطمح النفس وغيرها، حاشا المؤلفين فقد داموا إلى آخر أيام الأندلس يكتبون بلا تعمل في الجملة، وحييت الكتابة في دولة بني الأحمر آخر ملوك العرب في تلك الديار، والشعر الذي وصلنا منهم أكثر من النثر.
هجم السجع هجوما مريعا على الكلام المرسل فأضعف من قواه، ونال من قوامه بعد القرن الرابع؛ وكان أول من غالى في التزم الكتابة المسجوعة أبو إسحاق الصابي، وأبو بكر الخوارزمي، وبديع الزمان الهمذاني، والصاحب والعتبي؛ واقتفى أثرهم كتاب الأندلس ومصر، وعدم التكلف على البديع فقد يتخلى عن السجع في رسائله، كما يترك الصابي ذلك في بعض عهوده. وقالوا إن الصابي كان يكتب ما يراد، والصاحب يكتب ما يريد، وكان ابن العميد يعد في جملتهم، لولا أنه التزم طريقة المرسل وطريقة المسجوع معا، ووضع طريقة الشعر المنثور، وقالوا إنه أقل معاصريه احتفالا بالسجع، مع أن الذي قرأناه له ينافي هذا القول، وكأنه أشبه بحلقة اتصال بين دور الكلام المطبوع ودور الكلام المصنوع.
قالوا بدئت الكتابة بعيد الحميد وانتهت بابن العميد؛ وهو قول يحتاج إلى نظر، والعالم على ما يقول الباقلاني لا يخفي عليه الفضل بين رسائل عبد الحميد وطبقته وبين طبقة من بعده، حتى إنه لا يشتبه عليه ما بين رسائل ابن الحميد وبين رسائل أهل عصره ومن بعده، ممن برع في صنعة الرسائل وتقدم في
مخ ۱۹