فإن كان 〈ذلك كذلك، كان〉 الذى يعلم ذاته فقط هو العالم والمعلوم معا، لأنه ليس فوقه شىء آخر يريد أن يعلمه؛ فلذلك صار هو العالم والمعلوم. فأما سائر الأشياء فكل واحد منها يعلم ما فيه من المعلوم ويعلم ما فوقه، فلا يكون هو حينئذ هو العالم والمعلوم، كما قلنا فى العالم الأول. فإن كان ذلك كذلك، كان إذا فى العلم معلوم وفى المعلوم علم؛ إلا أن أحدهما هو المعلوم من ذاته، أقول إنه العالم بذاته وإنه عالم ومعلوم كشىء واحد؛ وأما الآخر أعنى المعلوم فليس هو واحدا، وذلك أنه عالم بما فوقه ومعلوم مما تحته، فليس يكون حينئذ العالم والمعلوم واحدا. إلا أن المعلوم المرسل غير المعلوم الذى فى العالم — أعنى بذلك أن العلم الأول المرسل هو معلوم أيضا، وليس المعلوم هناك غير العالم لأنه مفرد مرسل ليس فوقه ملعوم آخر. فأما ما بعده من الأشياء العالمة فإنها تعلم وتعلم، أقول إنها تعلم ما فوقها وتعلم مما تحتها، فلا يكون فيها العالم والمعلوم شيئا واحدا مثل ما كان 〈فى〉 العلم المرسل.
فقد صح الآن أن هاهنا علما يعلم ذاته ويعلم ما فوقه وليس العالم والمعلوم فيه كشىء واحد، لأنه إنما يعلم ما فوقه ويعلم مما تحته؛ وأن هاهنا علما آخر فقط يعلم ذاته وهو العالم والمعلوم معا كشىء واحد، وهو العلم الأول المرسل.
مخ ۳۶