The Biography of the Prophet - Ragheb Al-Sergani
السيرة النبوية - راغب السرجاني
ژانرونه
قصة إسلام حمزة وعمر وسجود المشركين لآية سورة النجم وأثر ذلك على المسلمين في مكة والحبشة
بعد الهجرة الأولى إلى الحبشة حدثت في مكة أمور عظام في ظاهرها بسيطة، ولكنها محطات تغيير هامة ليس في أوضاع مكة فقط، بل في خريطة العالم.
مما حدث في مكة: أولًا: آمن حمزة بن عبد المطلب ﵁ وأرضاه عم رسول الله ﷺ.
ثانيًا: بعده بثلاثة أيام فقط آمن عمر بن الخطاب ﵁ وأرضاه.
وستحمل الأيام مفاجآت عظيمة لأهل الأرض جميعًا، سيرون كيف أن هذا الرجل البسيط عمر الذي آمن في هذه البلدة الصغيرة مكة سيقود جيوش المؤمنين ليكسر شوكتي فارس والروم، وليوحد أطراف العالم في خلافة واحدة، آمن الفاروق في مكة فحدثت تغييرات جذرية في سياسة المؤمنين، منها ما يتعلق بقضية الهجرة إلى الحبشة، آمن عمر بن الخطاب فظهر الإسلام في مكة، وأعلن كثير من المسلمين إسلامهم، بعد أن أذن لهم رسول الله ﷺ، وكما قال عبد الله بن مسعود ﵁: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر ﵁ وأرضاه، وقلّ إلى حد كبير التعذيب الوحشي الذي كانت تقوم به قريش للمؤمنين، وعاش المسلمون في مكة لحظات عظيمة من السعادة التي لم تمر بهم منذ زمن طويل، سعادة بإسلام البطلين العظيمين الجليلين: حمزة بن عبد المطلب، وعمر بن الخطاب ﵄، وسعادة بإحساس الأمان النسبي الذي شعر به المسلمون للمرة الأولى منذ أكثر من خمس سنوات، وسعادة بشعور العزة والفخر بهذا الدين وباتباعه.
طارت أنباء هذه السعادة إلى الحبشة، وتواصلت قلوب المؤمنين في الحبشة مع قلوب المؤمنين في مكة وشعروا بنفس السعادة، وشعروا فوقها بسعادة العودة إلى أرض الوطن وإلى أرض الأجداد والعشيرة وإلى البيت الحرام، شعر المسلمون أن وقت العودة إلى مكة سيكون قريبًا إن شاء الله.
تزامن مع حدث إسلام البطلين حمزة وعمر ﵄ حدث آخر عجيب تم في مكة في ساحة البيت الحرام في رمضان من السنة الخامسة من البعثة، كان من أسلوب الكافرين لمنع الناس من التأثر بكلام الله ﷿ أن يمنعوا أنفسهم من السماع أصلًا؛ لأنهم يعلمون أنه لو سمع أحدهم القرآن فقد يؤمن به: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ [فصلت:٢٦]، كانت هذه هي سياستهم، ولكن في رمضان من السنة الخامسة من البعثة حدث هذا الموقف الغريب: كان المشركون مجتمعين في البيت الحرام، وكان معهم المؤمنون أيضًا، وكان معهم رسول الله ﷺ، فوقف في وسط الناس وبدأ يقرأ سورة من سور القرآن الكريم تلاوة عليهم، وهي سورة النجم كاملة: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ [النجم:١ - ١٢].
فانبهر المشركون بروعة الكلمات والآيات، وبالكلام العجيب الذي لا يقدر عليه بشر، ولم يحركوا ساكنًا، نزلت الآيات كالقوارع على قلوبهم، خرست الألسنة، وتسمرت الأقدام، وتعلقت العيون برسول الله ﷺ، وبدأ رسول الله ﷺ يكمل القراءة بصوته العذب، بل بدأ يقرأ آيات تسفه أصنام قريش وآلهتهم المزعومة ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى﴾ [النجم:١٩ - ٢٣].
ومع أن الآيات تهين آلهة قريش وتحقر من شأنها إلا أن المشركين لم ينطقوا بكلمة، بل ظلوا يستمعون القرآن وقد انبهروا انبهارًا كاملًا، وأكمل رسول الله ﷺ السورة بكاملها إلى أن وصل إلى آخرها، حتى قرأ آية السجدة: ﴿أَزِفَتِ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ
8 / 8