187

د د نوي شعر انقلاب له بودلیر نه تر اوسني عصر پورې (لومړۍ برخه): زده کړه

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

ژانرونه

وهو يصور العالم في صورة شديدة الحيدة، وكأن الصلة قد انقطعت بينه وبين الإنسان، أو كأن هذا العالم قد أصبح يقاومه ويحد من حريته وانطلاقه بعد أن كان الوسيط الذي يعبر به الشاعر القديم عن عذاب الإنسان وأفراحه. ولهذا يبحث الشاعر الحديث عن كل ما قد يبدو لسلفه القديم حقيرا وسخيفا ومخزيا. ولعله بذلك يزيد من إحساس الإنسان «بضغط» العالم عليه ووحدته المؤلمة فيه؛ فهو يتحدث عن نفايات المدينة الكبيرة وحانات البيرة وقضبان الترام، وقصاصات الصحف وساحات المصانع ... إلخ. وينفث فيها - في بعض النصوص الجيدة فحسب - تلك الرعشة الكهربية التي أراد بودلير وبو أن يضفيا بها الشاعرية على الحياة اليومية. وهنا نجد القبح - الذي عرفنا دوره الهام عند رامبو - يحتل مكانة بارزة ويصبح وسيلة للإثارة والإدهاش. ولو تأمل القاري، قصيدة «صورة»

40

لجوتفريد بن، لوجد فيها - شبه جملة واحدة - لوحات مخيفة تعكس القبح والمرض والفساد والانهيار وتقول للقارئ في النهاية إن هذه هي أعمال «العبقري العظيم» أو أن القبح هو الأثر الذي يدل على عالم علوي خلا من كل حقيقة عالية، وهي نظرة تعبر عن تشاؤم هذا الشاعر وتجاربه المخيفة أصدق تعبير. (13) توماس إليوت

رأينا في الفصول السابقة كيف تمزق الواقع على يد الشعراء المحدثين وتفتت إلى أجزاء وشذرات. وقد تبينا أهمية هذه الفكرة في شعر مالارميه وفاليري وفي تصورهما للشعر على السواء. فهما يقصدان من ورائها أقصى درجة ممكنة من الحضور الفني لغير المرئي في المرئي - أو بلغة أبسط للمثل المجردة البعيدة أو الحقائق المتعالية في الواقع المشاهد - بحيث تدل على مدى تفوقها كما تدل على مدى قصور الواقع المرئي وعجزه. ولقد ظل هذا الطابع - طابع التجزؤ والانقسام إلى شذرات - غالبا على الشعر المعاصر، بحيث يتناول الشاعر قطعا متفرقة من الواقع أو على الأصح من بقايا أطلاله ويظل يعالجها في عناية واهتمام حتى تتلاقى أطرافها أو تتلاءم مع بعضها البعض، ويبدو العالم الواقعي في نهاية الأمر أشبه بجدار تتخلله الصدوع المخيفة من كل ناحية، أي لا يمت للواقع بأية صلة.

هذه المقدمة كلها تفضي بنا للحديث عن الشاعر الأشهر توماس ستيرن إليوت. والحق أن الكلام عنه في هذا الحيز الضئيل أمر مستحيل ولكنه لن يعفينا من تقديم صورة مبسطة تكشف عن الملامح الرئيسية في شعره. ولقد اختلف النقاد في تفسير هذا الشعر وتباينت مذاهبهم في فهمه، ومع ذلك يبدو أنهم يجمعون على شيء واحد؛ وهو أن السحر الذي ينبعث منه راجع إلى «نغمه »؛ فهو نغم لا يمكن أن ينسى، وإن لم يكن في الحقيقة نغما واحدا بل خليطا من الأنغام العديدة المتنافرة. إن اللغة تتنقل تنقلات مفاجئة وتسير من التقرير الجاف إلى التأمل المجرد، ومن الكآبة الصافية العذبة إلى الانفعال أو الغضب العارم، ومن السخرية والتهكم المرير إلى لغة الحوار اليومي المملة المرهقة. وهذا التعدد في الأنغام هو الذي يربط كل أجزاء قصائده وهو الذي يخلع عليها وحدة لا تستطيع الحالة النفسية أو الموقف الفكري الذي تقوم عليه - وما من أحد استطاع حتى الآن أن يصل إلى كنهها!- أن تخلعها عليه. صحيح أن هناك موضوعات أساسية تتردد في شعر إليوت: ضياع الإنسان ويتمه في صحراء المدينة الكبيرة، الإحساس بالزوال والفناء، التأمل الطويل في حقيقة الزمان ووظيفته، وفي غربة العالم واغترابه. ولكن هذه الموضوعات المختلفة تسري كالنسمات في هذه الحديقة الموحشة الساحرة، ولا تصلح أساسا يمكن أن ينهض عليه. ولعلنا نجد هذا الأساس فيما يسميه إليوت نفسه «بالعاطفة الفنية» التي يريد لها أن تكون بعيدة عن الذاتية أو الشخصية كل البعد. إنها تمتد بين القمة والحضيض، وتسير، كما يقول بيتان من القسم الرابع من قصيدته «أربعاء الرماد» في الأبيض والأزرق، لوني مريم، وهي تتكلم عن أشياء تافهة، وتعبر هذه العاطفة عن نفسها «بالمقابل أو المعادل الموضوعي» أي بالصور والأحداث التي تدور في عالم الناس والأشياء. ولكن أية صور وأية أحداث؟ يقول إليوت في إحدى ملاحظاته النقدية الخصبة إن التقلب والتضاد الحاد من أهم الخصائص المميزة للعصر الحاضر.

والواقع أنهما أيضا من أهم الخصائص المميزة لأسلوبه الشعري . ومن هنا يمكن القول بأنه يلائم المدنية الحديثة التي تتطلب - بتعقيدها البالغ وتناقضاتها ومشاعرها وأفكارها المضطربة - أدبا يتصف بالشمول ويلمح ويوحي ويتحدث حديثا غير مباشر؛ أي أدبا يجنح بالضرورة إلى الغموض والتعقيد.

في بداية «الأرض الخراب» نجد هذا البيت (البيت العشرين):

يا ابن الإنسان، ليس في مقدورك أن تقول ولا أن تحدس،

لأنك لا تعرف غير كومة من الصور المهشمة.

وفي آخرها نقرأ هذا البيت (البيت الأربعمائة والثلاثين ):

ناپیژندل شوی مخ