د د نوي شعر انقلاب له بودلیر نه تر اوسني عصر پورې (لومړۍ برخه): زده کړه
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
ژانرونه
هذه الشذرات قد كومتها أمام أطلالي.
وكلاهما يمكن أن يعد اعترافا من الشاعر بأسلوب التجزئة والتفتت والشذرة، أو بالأحرى بقانونه الذي يحكم كل أعماله الشعرية. فهو يحدد عباراته التي تبدأ أحيانا بحكاية قصيرة ثم لا تلبث أن تقطعها لتمضي في مونولوج داخلي، لا يلبث أن يقطعه أيضا نص مقتبس يضمنه الشاعر في قصيدته لغير سبب ظاهر، يتبعه على الأثر نتف من حوار عادي بين أشخاص ليست لهم معالم ولا ملامح محددة، وما يقال في مجموعة من الأبيات ينسى على الأثر في مجموعة أخرى، كذلك الشأن مع الصور والأحداث؛ فهي تركيبات (على طريقة المونتاج في السينما) من قطع متفرقة متنافرة الأصول، لا تمت لمكان أو زمان محدد. هناك قطع الأثاث المتهرئة وأنابيب الغاز، والفيران، والسيارات، وضباب لندن، وأوراق الشجر الجافة، ثم حوريات الماء. والعراف تريزياس، والجواهر النفيسة، إلى جانب حلاق أشعث الشعر من أزمير، وكلها تختلط في اضطراب غريب والحضارات المختلفة تتداخل في بعضها البعض، فلا يكاد الشاعر يتحدث مثلا عن نادل حتى تلمع فجأة في عقله ذكرى أجاممنون. ومن أمثلة ذلك قصيدة «الرباعيات الأربع» التي يصف فيها أحد أيام شهر نوفمبر وصفا مسهبا يقطعه بعد حين ليقول: «كان هذا وصفا غير مرض.» ثم يتحدث عن نفس الموضوع بطريقة أخرى، يعبر بها عن مضمون مختلف عن المضمون الأول كل الاختلاف، متبعا في هذا كله أسلوب الشاعر «لوتريمو» صاحب «أغنيات مالدورور».
وفي نفس النص نجد القسم الثاني من «شرق كوكر»
East Coker
ينتهي بهذا البيت: «حكمة الخضوع، الخضوع بلا نهاية.» وتتلوه صورتان لا رابطة بينهما على الإطلاق: «كل البيوت اختفت في البحر. كل الراقصين اختفوا في الت.» وتبدو الخاتمة وكأنها تعقد صلة خفية بين مضمون البيت السابق وبين حدثين مختلفين (لم يأت ذكر البيوت أو الراقصين فيهما إلا في موضع سابق على الخاتمة بمسافة بعيدة). ولكن لعل هذه الصلة الخفية أن تكون في تجاور هذا الخليط من الأفكار والأحداث والأشياء التي لا تربط بينها صلة، فكأن الشاعر يعبر عن العلاقة الممكنة بتفكيك كل علاقة !
أي عالم هذا الذي يرسمه لنا إليوت؟
إن كلمة «غير واقعي» تصادفنا كثيرا في قصيدة الأرض الخراب كما نقرأ في «أربعاء الرماد» عن الرؤية المطلسمة في حلم أسمى، وعن الكلمة التي لم تسمع. وكل هذه أشياء ترتبط ببعضها البعض لتؤكد أن الشاعر يعرف ما يصنع. إنه يستعين بقدرة «الحلم» على تحطيم العالم، وتصويره في صورة غير واقعية، لكي يبث فيه أسرارا لم تكن لتشع منه لو بقي عالما واقعيا. إن تعدد الأنغام والأصوات السحرية في لغته يقربها مما «لا يقال»، ويجعلها تلتقط موسيقى الحلم التي لا تسمع عن طريق الكلمات المحطمة والصور المشتتة. (14) سان-جون بيرس
41
تكلمنا في الصفحات السابقة عن فكرة اللاواقعية الحسية عند رامبو، ويبدو أن هذه الفكرة نفسها تصدق تماما على شعر سان-جون بيرس. إن من العسير أن نفهمه من جهة المضمون؛ فالأناشيد والأبيات الطويلة الشبيهة بالمزامير تكاد تغمر القارئ كالطوفان، والأصوات المهيبة الغامضة تتردد أصداؤها - كأصوات السحرة والعرافين القدماء - لتخلق سيلا من الصور الكثيفة المتجددة التي تبهر القارئ وتحيره. ما من صورة منها تستقر أو تهدأ، وكأن روح العالم كله تجيش وتفور، هو عالم غريب عالم «المنفى». الواقع الذي ينطوي عليه واقع مجهول، عجيب، يأتي من بلاد مجهولة عجيبة، ويحكي عن حضارات مندثرة وأساطير نادرة. ميزة هذا الشاعر أنه يضمن إبداعات خياله كثيرا من الوقائع والحقائق الثابتة التي يلتقطها من بعيد، ويعبر عنها تعبيرا سريعا شاذا بحيث لا نحس بقيمتها الواقعية، وبحيث تتحول، كما يقول في إحدى قصائده، إلى لحن «أغنية لم توهب لشاطئ».
إن سعيه الدائب إلى اللامتناهي تقابله التفاصيل الدقيقة التي يغرق في أوصافها، ويشتق معظمها من عالم الحيوان. ولكن هذه التفاصيل الحسية الدقيقة ملغزة بعيدة عن الوضوح، يستعين الشاعر فيها بمصطلحات مستمدة من علوم النبات أو الطب أو البحرية أو الصيد وتضطر القارئ الفرنسي نفسه إلى اللجوء إلى القواميس المتخصصة لمعرفة معناها. ولعل الأوفق ألا يجهد الإنسان عينيه في البحث عن معانيها، بل يحاول أن يسلم نفسه لها كما لو كانت أنغاما تنبعث من آلة موسيقية غريبة تأتي من بلد غريب.
ناپیژندل شوی مخ