د اسلام انقلاب او انبياوو قهرمان: ابوالقاسم محمد بن عبدالله
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
ژانرونه
ولكن المؤرخ الحديث يعلم أن القارئ المعاصر يحتاج إلى تفهم الأشياء على طريقة أخرى، تحتاج إلى درس حياة النبي
صلى الله عليه وسلم
لا من جهة الوقائع وحدها؛ لأن الوقائع كانت مظاهر لأمور عميقة متغلغلة في نفوس الجماعات والأفراد، نحتاج إلى درس حياته بوصفه رجلا مجردا عن مظاهر القداسة المسلم بها، رجلا ذا عقل وقلب وخلق، على طريقة تحليلية تضمن لنا إدراك حقيقته كما كان إنسانا وفردا عربيا نشأ وترعرع في بيئة معينة وفي زمن معلوم، وعاش عيشة خاصة طفلا ويافعا، ومفكرا في الدار ومتحنثا في الغار، ومجاهدا في ميدان الحرب ومنظما في الدولة التي أسسها، نريد أن ندخله في حوزة التاريخ الإنساني إنسانا شاعرا بوجوده مفكرا بعقله منقادا أولا بالوحي الإلهي ثم بعواطفه وروحه كما يدرس أبطال التاريخ وعظماء الأمم، نريد أن نتخلص هنيهة من قيود العقيدة الراسخة التي تعيرنا أداة معظمة للنظر آنا وآنا نستبدل المجهر بها؛ لأن حياته أجدر بالفحص على هذه الطريقة التحقيقية منها بأية طريقة أخرى، ولأن كثيرا من أعماله وأقواله تشعر بأنه كان ينقاد إلى عقله وتدبيره وفكره، بل وأفكار غيره على الرغم من إيماننا بنسبة كل أعماله العظمى إلى العناية الربانية والقوة الكبرى المسيطرة على نفسه وعلى العالم. وإننا باتباع تلك الطريقة جهد الطاقة نرى وضوحا وجلاء وضوءا أكثر مما نرى في طريقة التقييد والتعليل بأسباب مستورة أو تقليدية؛ لأن حياة محمد
صلى الله عليه وسلم
لم تكن غامضة ولم تكن تكتنفها أسرار ولا خفاء، بل كانت حياة بلورية مكشوفة، وقد أراد أن تكون جميع أقواله وأفعاله سننا يتتبعها أهل عقيدته، ولأنه نجح في تربيته فيلقا من الرجال والنساء جعلهم مستودع أفكاره وأعماله وأقواله، وأمر قومه بتقليدهم وتوقيرهم والسير على خططهم؛ لأنها خططه التي أرادها والتي رأى أنها أصلح النظم للحياة الإنسانية في كل زمان ومكان.
9
كان محمد رجلا يروح ويجيء بين قومه وقد انطوى في صدره عالم كبير من المعاني السامية والمثل العليا للحياة ومكارم الأخلاق، لم يفهمها في بداية الأمر قومه الجفاة الغلاظ الأكباد؛ هذا لأن أكثر ما يكون المصلح في أول أمره جهادا وحيرة وصبرا وشفقة على قومه وعفوا عن ذنوبهم، حتى تلك الجرائم التي كانوا يقترفونها ضد شخصه كان يغفرها لهم، ويحملها على جهلهم، وفي كثير من الأحوال كان يدعو لهم بخير، وهو أجدر الناس علما بأن الناس أعداء ما جهلوا، وأعداء من يريد خيرهم؛ فكانت غايته الأولى والأخيرة تعليمهم وترشيدهم والخروج بهم من ظلام المادة إلى نور الروح، ومن موت الجهالة إلى حياة المعرفة. •••
إذا نظرنا إلى الجماعات الفطرية وجدناها تحس الخوف من الطبيعة فتخشى مظاهرها وظواهرها حينا، وحينا تتوهم معاداة الطبيعة فتستعد للحروب في كل لحظة، وتأخذ أهبتها المادية لمقاومة أحداث الحياة، وينشأ في تلك الجماعات زعماء وسادة من أهل العبقرية والنبوغ يكونون أقوى أفراد جماعتهم تمثيلا لها ولمقوماتها وأشدهم تعبيرا عن إحساسهم في دور اليقظة المادية فتراهم أشد أفراد هذه الجماعات حذرا على أنفسهم وعليها، وأقوى انتباها للخطر إذا أقبل، وللشدائد إذا ادلهمت وللأزمات إذا اشتدت، وأقوى جماعتهم مقاومة للطوارئ واقتدارا على قهرها والتغلب عليها، وهم إلى جنب هذا أكثر الأفراد في المجتمع الذي نشئوا فيه استكمالا للمميزات الملحوظة فيه حتى لا يكون الزعيم منهم عرضة للاعتداء من أحد أفراد شعبه، فإذا كان من مميزات جماعة أحدهم إصابة المرمى وجب على الزعيم أن يكون أحسنهم رماية، وإذا كان من مميزات إحدى الجماعات الفصاحة وجب على الزعيم أن يكون أفصحهم إلى جانب ما امتاز به بقية الأفراد من القوة البدنية والشجاعة والجلد.
10
فإذا تركنا البيئات الفطرية رأينا هذه النظرية تصدق في كل الحالات بقدر ما تتسع لها هذه البيئات أو تضيق، ونحن بصدر زعامة للجنس البشري كله، وهي زعامة الأنبياء والرسل الذين فاضوا بالهدى على الخلق جميعا، وهؤلاء تخلد زعامتهم بعد ذهابهم عن هذه الحياة.
ناپیژندل شوی مخ