{ ستجدون ءاخرين } هم أسد، وغطفان، وبنو عبد الدار، كانوا حول المدينة تكلموا بالإسلام نفاقا ورئاء، يقول لهم قومهم، بم آمنتم؟ فيقولون بهذا القرد، والعقرب، والخنفساء، وإذا لقوا الصحابة قالوا إنا على دينكم، والسين للاستقبال لأنهم لم يطلعوا عليهم إلا بعد نزول قوله تعالى: { ستجدون آخرين } ، فلا حاجة إلى أن يقال هى للاستمرار، أو للاستقبال فى استمرار العمل لا فى ابتدائه وقيل الآية فى المنافقين { يريدون أن يأمنوكم } لا يخافوا من قتالكم بإظهار الإسلام لكم { ويأمنوا قومهم } بالكفر المتحقق فى قلوبهم { كل ما ردوا } طلبهم المشركون بقتال المؤمنين وعبادة الأصنام { إلى الفتنة } قتال المسلمين أو الشرك { أركسوا } قلبوا، أقبح قلب، كقلب على الرأس لا ما دونه كرد لجانب أو وراء { فيها } أركسهم الله فيها بالخذلان والشيطان بالوسوسة { فإن لم يعتزلوكم } لم يتركوا التعرض لكم بسوء كإعانة العدو ودلالته على ما يضركم ومده بمال { ويلقوا } لم يلقوا { إليكم السلم ويكفوا } ولم يكفوا { أيديهم } عن قتالكم { فخذوهم } بالأسر والسبي والغنم { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } أدركتموهم { وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا } تسلطا بإغرائنا عليهم وتقويتنا لكم { مبينا } ظاهرا إن باشرتم قتالهم وحجة ظاهرة حيث علقنا قتالكم إياهم وسبيهم وغنمهم وأسرهم بالغدر إن صدر منهم.
[4.92-94]
{ وما كان لمؤمن } ما ثبت له شرعا ولا عقلا، وإذا كان كذلك فما ينبغى له { أن يقتل مؤمنا } موحدا وذميا أو معاهدا أو مستأجرا، أو من لم يدع إلى الإسلام بغير حق، أما إذا كان بحق كما إذ قتل لقتله من يقتل به، أو لقطع الطريق، أو لبغيه، أو رجم لإحصانه مع الزنى، أو نحو ذلك فحق { إلا خطأ } إلا قتل خطأ أو خاطئا أو للخطأ أو لكن الخطأ إن وقع فعليه التحرير أو الصوم، والخطأ الفعل مع عدم القصد إليه أو إلى الشخص، أو لا يقصد به القتل فى المعتاد كضرب بيد أو عصا أو لا يقصد به محظور كضربه فى صيد وقعت على غيره، وكرمى مسلم فى صف الكفار بلا علم به وقد حضر معهم أسيرا وليس بقاتل، وقتل طفل أو مجنون بغيره، ونائم وساقط على غيره، وسكران حيث يعذر بسكره، والآية فى عباس ابن أبى ربيعة المخزومى، أخى أبى جهل لأمه، إذ قتل الحرث بن زيد فى طريقه ولم يدر أنه أسلم، وبسط ذلك، أن عياشا أسلم وحلفت أمه لا يظلهما سقف حتى تراه، فأخذه أبو جهل والحرث بن هشام من المدينة لتراه بعهد موثق أن يخلياه، فجلداه فى الطريق مائة، وأعانهما رجل من كنانة فحلف عياش أن يقتله، وقتله بعد إسلامه ولم يدر عياش بإسلامه { ومن قتل مؤمنا } موحدا، ويلتحق به الذمى، ومن قتل قبل دعاء إلى الإسلام أو مستأجرا، أو معاهدا { خطأ } ومثله شبه العمد، وهو كالخطأ فى العاقلة والأجل، وقد يدخل فى الخطأ وهو الضرب بما لا يقتل غالبا عمدا بلا قصد قتل { فتحرير } فعليه تحرير أو فالواجب عليه تحرير، أو وجب عليه تحرير، وهو جعله حرا { رقبة } أمة أو عبد { مؤمنة } وأجاز بعض غير المؤمنة، وترده الآية، كما زعم بعض أنه يجزى إعتاق كتابى صغير أو مجوسى كبير، وتسمية الإنسان رقبة تسمية بالجزء، وقد صار ذلك حقيقة عرفية، كما يعبر عنه بالوجه، وكما يعبر عن المركوب بالرأس والظهر { ودية مسلمة إلى أهله } ورثته، والدية مصدر ودى كوعد عدة، ثم أطلق على المال المأخوذ فى القتل وما دونه من الجباية فى البدن، وإنما كان المعنى، أن عليه الدية مع أنها على عاقلته، لأنه يجمعها منها، ولكن لا يعطى معهم على ما فى الفروع، وفى قول يعطى منابه ولا يجمعها، ولأنه السبب، وإن شئت فلا تقدر لفظ عليه، بل قل في الواجب تحرير رقبة مؤمنة، أى فى ماله، ودية مسلمة إلى أهله أى على العاقلة، وتخلص منها ديون القتيل ووصيته، أو ترد للثلث والباقى للورثة، كميراثهم حتى الأزواج الكلاليون، وكذلك فى العمد، قال الضحاك بن سفيان الكلابى: كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنى، أن أورث امرأة أشيم الضبابى من عقل زوجها، وقال أبو محمد، لا تأخذ الزوج من دية زوجها المقتول عمدا، ولا تعقل العاقلة إلا الخطأ، وإن لم تكن العاقلة فبيت المال، وإن لم يكن فالقاتل، وقيل لا تقضى الديون والوصية من الدية، بل هى للورثة وليس كذلك، وتجزى الرقبة ولو غير بالغة فيقوم بما لا بد لها منه حتى تبلغ، وقيل لا يجزى عتق الصبى أو الصبية { إلآ أن يصدقوا } يتصدقوا بترك الدية أو بعضها، والاستثناء منقطع أى لكن تصدقهم خير لهم، وإما إن يجعل المصدر ظرف زمان على معنى إلا وقت تصدقهم، فلا يجوز لأن المصدر النائب عن الزمان هو المصدر الصريح أو المؤول بما المصدرية لا بأن، وهى عشرون بنت مخاض، وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون، وعشرون حقة، وعشرون جذعة على ثلاث سنين، ثلث كل عام على العاقلة سواء، وقيل على الغنى نصف دينار، وعلى المتوسط ربع دينار، ولا شىء على الفقير والبسط فى الفروع { فإن كان من قوم عدو لكم } مشركين أو موحدين حل قتالهم لبغيهم أو نحوه { وهو مؤمن } كان فى المشركين نسبا وسكنى أو سكنى، أسلم ولم يهاجر ولم يجعل لنفسه علامة ولا خبرا، أو دخل من خارج كذلك وقتله من لم يعلم بإسلامه { فتحرير رقبة مؤمنة } موحدة، ولا دية له، لأنه هدر دمه بكونه فيهم، بحيث يعد أنه منهم، ولا سيما إن أسلم ولم يهاجر قبل نسخ الهجرة، فإن ذلك من موانع الإرث، وقال أبو حنيفة: له الدية إن دخل إلى المشركين لأمر مهم، لقوله تعالى: { وإن كان من قوم } ، ولم يقل فيهم { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق } عهد، كأهل ذمتكم المعاهد لمدة، وفى معنى ذلك المستأمن والمستجير { ف } على القاتل { دية مسلمة إلى أهله } وهم أهل شرك، وهى ثلث دية المسلم، إن كان يهوديا أو نصرانيا أو صابئا، وثمانمائة درهم إن كان مجوسيا ثلثا عشر دية المسلم، والوثني وغيره من المشركين ستمائة، وقال مالك والشافعي دية الكتابى نصف دية المسلم، وقال الشافعى دية المجوس ثلثا عشر دية المسلم، ودية المؤمن المقتول لأهله المشركين، على أنها غير إرث، ومن نزلها كالإرث قال لبيت المال { وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد } فى تلك المسائل رقبة مؤمنة بشراء ولا إرث ولا هبة، ولا بعوض ما، أو وجدها ولم يجد ما يشتريها به فاضلا عن نفقته ونفقة عياله وسائر حوائجه الضرورية من المسكن ونحوه { فصيام شهرين متتابعين } فإن اختل التتابع ولو بأمر ضرورى كخوف الموت بالجوع أو بنية صوم آخر استأنف إلا إن فطرت بحيض أو نفاس فلا تستأنف، وقيل فى كل ما لا يمكن التحرز عنه كموت بجوع وقتل جبار ومرض أنه لا يخل بالتتابع، وإن لم يستطع الصوم فلا إطعام عليه عندنا، وفى أصح الشافعى، وله قول بالإطعام إذا لم يستطع الصوم حملا لهذا الإطلاق على التقييد فى الظهار، والذى عندي أن الحمل فى الأوصاف لموصوف واحد لا في الأصول وهنا الأصول إذ ما هنا قتل، وماهنا لك ظهار، وأصحابنا اعتبروا الصفة وجعلوا الموصوف الكفارة، فحملوا العتق فى الظهار على العتق فى القتل، فخصوه بالمؤمنة كما فى القتل، بقى أنه إذا لم لم يستطع الصوم نواه، وأوصى به، أو أخبر عليه ولا كفارة فى العمد، والشافعى يقول هو أولى بها من الخطأ، وعن الضحاك الصيام لمن لم يجد رقبة، وأما الدية يبطلها شىء { توبة من الله } الأصل تاب الله عليه توبة، من الأثقل، وهو التحرير، إلى الأخف وهو الصوم، أو تاب الله عليكم توبة، بمعنى قبل الله توبتكم، بمعنى أنه ساهلكم بالأيسر، وإلا فالخطأ لا ذنب فيه، فيتاب منه أو عد إهمال الحذر ذئبا يتاب منه، وشرع الله ذلك توبة منه وعد ندم الخاطىء توبة جائية من الله له { وكان الله عليما } بحاله أنه لم يتعمد { حكيما } فى قضائه وقدره إذ لم يعاقبه عقاب المتعمد متقنا لأمره لكمال علمه، روى أنه صلى الله عليه وسلم أرسل رجلا من بنى فهر إلى بنى النجار مع قيس بن ضبابة، وقد وجد أخوه قتيلا فيهم، وقال أقرئهم السلام، وقل لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم إن علمتم قاتل هشام بن ضبابة أن تدفعوه إلى أحيه ليقتله، وإلا فديته عليكم، فقالوا: سمعا وطاعة لله ورسوله، والله لا نعلم له قاتلا، ولكنا نؤدى ديته، فأعطوه مائة بعير، فرجعنا إلى المدينة، فقال: قبول دية أخى عار، ولكن أقتل الفهرى نفسا بنفس، والدية زائدة ففعل، وساق الإبل إلى أن مات مرتدا فنزل قوله تعالى:
{ ومن يقتل مؤمنا } موحدا ولو كان عند الله شقيا { متعمدا فجزآؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله } قضى الله عليه بالشقوة { عليه } عطف فعليه على اسمية أوعلى حكم عليه بذلك مقدرا { ولعنه } أبعده عن رحمته فلا ينالها أبدا أو ذمه إلى الملائكة { وأعد له عذايا عظيما } فى قبره وحشره، وموقفه ، وضرب الملائكة والزقوم، والزمهرير، وذلك كله غير الإحراق بالنار، والمراد بقوله { فجزاؤه جنهم } ، إلا إن تاب، لقوله تعالى
وإنى لغفار لمن تاب
[طه: 82]، وقوله تعالى:
إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا
[الفرقان: 70]، ولأنه إذا كان يغفر للمشرك فأولى أن يغفر للقاتل عمدا إن تاب، ولا يقال قوله إلا من تاب عنه، وقوله:
لا يقتلون النفس التى حرم الله
[الفرقان: 68]، شامل للمؤمنة، فالتوبة من قتل النفس المؤمنة مقبولة، ولو قتلت عمدا، ولا يقبل قول غير هذا، روى البيهقى ذلك عن ابن عباس وروى البخارى ومسلم عنه: أنه لا تقبل توبته، فإما أن يريد التشديد على من يناسبه هذا التشديد به فيكف به ولا ييأس، ويقصد بفتوى القبول من سأله وناسبته، وإما أن يريد بنفى القبول من قتله استحلالا كما فسر بعض به الآية، إلا أن فى هذا نظرا فإن مستحله مرتد، وتوبته تقبل كما تقبل توبة المشرك، وخالدا حال من هاء جزاؤه، لأن المضاف صالح للعمل، وهو مصدر، فيكون عامله وعامل الخبر واحدا، وهو جزاء فينتفى الفصل بأجنبى أو من هاء فجزاؤه مقدرا، أو من ضميره المستتر، وقاتل العمد يقتل ولا كفارة عليه، وإن عفى عنه أو أعطى الدية فعليه كفارة القتل، قال ابن عباس رضى الله عنهما، مرت سرية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأميرها غالب بن فضالة الليثى بمرداس بن نهيك من أهل فدك، ونسبه فى بنى سليم مع بعض قومه ولم يسلم من قومه سواه وهربوا، وأقام وألجأ غنمه إلى عاقول الجبل، ولما تلاحقت الخيل سمع تكبيرهم فعرف أنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر ونزل، ويقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام عليكم، فتركه المقداد، فقتله أسامة بن زيد بسيفه وساق غنمه، ولما رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبقهم الخبر، فوجد عليه وجدا شديدا، وقال صلى الله عليه وسلم: أقتلتموه إرادة ما معه، وقرأ على أسامة ما نزل فى ذلك من قوله تعالى :
ناپیژندل شوی مخ