269

تيسير التفسير

تيسير التفسير

ژانرونه

[الأنفال: 48].

[4.77]

{ ألم تر إلى } المؤمنين { الذين قيل لهم } قال لهم النبى صلى الله عليه وسلم { كفوا أيديكم } عن قتال الكفار فى مكة حين آذاهم الكفار، كعبد الرحمن بن عوف، والمقداد بن الأسود، وهو المقداد بن عمرو، وسعد بن أبى وقاص، وقدامة بن مظعون، وجماعة يؤذيهم المشركون في مكة فيقولون: يا رسول الله، لو أذنت لنا فى القتال، فيقول لهم: كفوا أيديكم، ثم هاجروا، وأمروا بقتال المشركين، وكرهوا ذلك بالطبع ، لا عصيانا أو نفاقا أو ردة { وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة } وأدوا ما أمرتم { فلما كتب عليهم القتال } فى السنة الثانية، جواب لما محذوف، أى كرهوه، وقيل هو قوله { إذا فريق منهم } من لبيان الفريق الموضوع موضع الضمير لحكمة التلويح إلى تمييزهم بخشية الناس، كأنه قيل، فريق مغايرهم، هؤلاء الذين قيل لهم كفوا، ويجوز أن يكون قوله إلى الذين قيل لهم الخ مرادا به المجموع أعم من الخاشين، لقوله منهم عل أن من للتبعيض { يخشون الناس } يخشون قتال الناس الكفرة { كخشية الله } كخشيتهم، أو خشية غيرهم الله أن ينزل صاعقة، أو يرجمهم، أو يخسف بهم أو ينزل عليهم طاعونا { أو أشد خشية } أي أو خشية أشد خشية، فخشية تمييز لأشد، فيكون أسند الخشية إلى الخشية، أى خشية أشد خشية، كقولهم صومه أصوم من صومك، من المجاز العقلى، وأشد معطوف على الكاف إن كانت إسما، أو على منعوت محذوف، ففتح أشد نصب، أو معطوف على خشية، فالفتح جر، أو المعطوف خشية، وأشد نعته، قدم فكان حالا، أى خشية كائنة كخشية الله، أو خشية أشد من خشية الله، وأو للتنويع أو بمعنى بل، وهما أولى من كونها لتخيير السامع أن يعبر بما شاء من الخشيتين وقيل للإبهام { وقالوا } بقلوبهم، أو مع ألسنتهم، جزعا من الموت لا ردة أو عصيانا، فلم يوبخوا، أو قالوه سؤالا عن الحكمة { ربنا لم كتبت علينا القتال } الآن { لولآ أخرتنآ إلى أجل قريب } غير بعيد قبل موتنا، ولم يعطف قوله لولا الخ لئلا يتبادر أنهم قالوا مجموع الكلامين بعطف الثانى على الأول، مع أنهم قالوا أحدهما تارة وآخر تارة، قلت: بل يتبادر ذلك بالعطف { قل } ترغيبا فى القتال وثوابه وعن الدنيا { متاع الدنيا } تمتعها أو ما يتمتع فيها { قليل } كمية وزمانا ناقص بالنسبة إلى متاع الآخرة { والأخرة } متاعها { خير لمن اتقى } موجبات النار، وهى دائمة كثيرة الخير لا كدر فيها، قال صلى الله عليه وسلم:

" والله ما الدنيا فى الآخرة إلا كما يجعل أحدكم إصبعه فى اليم فلينظر بم يرجع "

، ويقال: الدنيا جنة الكافر وسجن المؤمن { ولا تظلمون } أى يوفر فيها الثواب لكم ولا تظلمون بنقص من ثوابكم ولا من آجالكم، ولا بزيادة فى سيئاتكم { فتيلا } مقدار ما يكون فى شق النواة، أو ما يفتل بين الأضبعين، ثم يلقى لحقارته، فلا ترغبوا عن ثواب الأعمال ولا تحجموا عن القتال إذ لا يقرب أجلا عن وقته.

[4.78]

{ أينما تكونوا يدرككم الموت } فى حضر أو سفر { ولو كنتم فى بروج } حصون، وأصل البرج البناء فوق القصر على طرفه أو وسطه، وهو من البرج بمعنى الظهور، والظهور يوجد فى الكل، أو المراد بروج السماء الكوكبية، أو قصور فى السماء الدنيا، أو البيوت التى فوق القصور { مشيدة } مقواة بالجير، أو مرفوعة مطولة، فلا تخشوا الموت فى القتال فإن الموت لأجله، فلا يؤخره ترك القتال، ومن قدر الله عز وجل له الموت بقتال لم يجد إلا أن يحضره ويموت فى وقت موته وموضعه، ومن قدره الله عليه فى غيره لم يجد أن يموت فى القتال ولا أن يموت فى غير وقت موته ومكانه، وعن مجاهد كان فى من قبلكم امرأة لها أجير، فولدت جارية، فقالت لأجيرها: اقتبس لنا نارا، فخرج فوجد بالباب رجلا، فقال له الرجل: ما ولدت هذه المرأة؟ قال: جارية، قال: أما إن هذه الجارية لا تموت حتى تزنى بمائة، يتزوجها أجيرها، ويكون موتها بالعنكبوت فقال الأجير فى نفسه: أنا لا أريد هذه بعد أن تفجر بمائة لأقتلنها، فأخذ شفرة، فدخل فشق بطن الصبية وخرج على عقبه، وركب البحر، وخيط بطن الصبية فبرئت، وشبت، فكانت تزنى، فأتت ساحلا من سواحل البحر، فأقامت عليه تزني، ولبث الرجل ما شاء الله، ثم قدم ذلك الساحل وله مال كثير فقال لامرأة من أهل الساحل اطلبى لى امرأة من القرية أتزوجها، فقالت: ها هنا أمرأة من أجمل النساء ولكنها تفجر، فقال إيتينى بها، فأتتها، فقالت: قد تركت الفجور، وإن أراد تزوجته، فتزوجها الرجل فوقعت منه موقعا حسنا، فبينما هو يوما عندها إذ أخبرها بأمره، فقالت: أنا تلك الجارية، فأرته الشق الذى فى بطنها، وقالت قد كنت أفجر فما أدرى بمائة أوأقل أو أكثر، قال: فإن الرجل قال لى يكون موتها بعنكبوت، فبنى لها برجا بالصحراء، فشيده، فبينما هى يوما فى ذلك البرج إذا عنكبوت في السقف فقالت: هذا يقتلني، لا يقتله غيري، فحركته فسقط، فأتته فوضعت إبهام رجلها عليه فشدخته وساح سمه بين ظفرها، ولحم الأصبع فاسودت رجلها، فماتت، وفى ذلك نزلت الآية، وهى { إينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة } ، والجملة من كلام الله عز وجل، أو من القول السابق، أو هى جواب لقولهم لو أخرتنا، وقوله قل متاع الدنيا قليل الخ جواب لقولهم لم كتبت علينا القتال { وإن تصبهم } أى اليهود، ولو لم يجر لهم ذكر والدليل الحال، لأن اليهود قالوا: نقصت ثمارنا وغلت اسعارنا حين قدم محمد وأصحابه، فنزلت الآية، كما قال فى أوائلهم،

وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى

[الأعراف: 131] الخ أو الضمير لليهود والمنافقين، ولو لم يجر لهم ذكر كذلك، إذ قحطوا حين قدم صلى الله عليه وسلم المدينة، قالوا صح أنها نزلت فيهم وفى اليهود معا، إذ تشاءموا به فى القحط حين قدم المدينة، وقيل فى ابن ابى ومن معه من المنافقين، إذ قالوا لوقعة أحد لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا { حسنة } نعمة، وأما الحسنة بمعنى الطاعة فلا يقال فيها أصابتنى، بل أصبتها، لأن الإنسان يأتيها هو ولا تأتيه هى { يقولوا هذه من عند الله } هو كلام حق إلا أنهم أخطأوا فى قولهم الذى ذكره الله بقوله { وإن تصبهم سيئة } بلية كنقص الثمار وغلاء الأسعار، كما وقع عند هجرة النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأما السيئة بمعنى المعصية فيقال أصبتها لا أصابنتى لأن فاعلها هو يجيئها لا هى { يقولوا هذه من عندك } وتم الرد عليهم عند قوله تعالى { قل كل من عند الله } ، لأنها من الله خلقا لأمته، ولأنها ليست من شؤمه صلى الله عليه وسلم إذ لا شؤم له، حاشاه، بل هو واسطة للبلاء بشؤمهم، وذلك كله ظاهر غاية الظهور لهذا قال الله تعالى قوله { قل كل } من الحسنة والسيئة { من عند الله } خلقا، والحسنة منه فضل، والسيئة بشؤم ذنوبهم مانصه { فمال هؤلآء القوم } اليهود والمنافقين تعجيب { لا يكادون يفقهون حديثا } قولا يلقى إليهم، كأنهم بهائم، ما قربوا من أن يفهموا، فضلا عن أن يتصفوا بأنهم فاهمون، والإنسان إما فاهم وإما قريب من الفهم ثم فهم، أو لم يفهم، وإما بعيد من الفهم ثم فهم أو لم يفهم، وهؤلاء بعدوا عن الفهم ولم يفهموا بعد، أو الحديث ما نزل من القرآن، أو كلام جاء من عند الله مطلقا، أو الحديث صروف الدهر المنبئة بأن الله تعالى هو خالقها، وليس المراد بالحسنة والسيئة فعل الطاعة والمعصية فضلا عن أن نستدل بقوله { كل من عند الله } على أن أفعالنا خلق من الله ولو كانت خلقا لدلائل خلقا لفاعلها، والجملة حال من هؤلاء.

[4.79]

ناپیژندل شوی مخ