[النساء: 83] ويسمون فى أصول الفقه أهل الحل والعقد { فإن تنازعتم فى شىء } من أمر الدين أيها العامة وأولو الأمر، أو أيها المتولون للأمر فيما بينكم { فردوه إلى الله } إلى كتابه { والرسول } بسؤاله عنه، وبعد موته بالرجوع إلى سنته، ومن الرد إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للقياس، فالآية مثبتة للقياس لمن تأهل له لا نافية له كما زعم من قال إنه يجب الوقوف على النصوص فيه وفى السنة، ويرده أيضا أنه لا توجد الأحكام كلها فيها، فالأحكام من الكتاب والسنة والقياس والإجماع، إلا أنه راجع للقياس، إلا أنه لا يعرف الناس بعد انعقاده كلهم مأخذه وقوله { إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر } متعلق بقوله فردوه، أو بقوله { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول } ، وتعليقه بالرد أولى كما يناسبه قوله { ذلك } أى الرد إلى الله ورسوله { خير } نفع لكم { وأحسن تأويلا } رجعا وعاقبه، وأحسن من رأيكم على فرض أن فيه حسنا، أو هو حسن، وقولكم بخلافه قبيح أو حسن لكم أو أفضل من رأيكم الذى تدعون فيه فضلا، هرب قوم فصدهم خالد إلا رجلا أتى عمارا فأسلم، فلما أصبح خالد أغا فلم يجد إلا الرجل وأهله وماله فقال عمار: خل عنه، فإنه مسلم فاستبا حينئذ، وحين وصلا إليه صلى الله عليه وسلم فقال: أتترك مثل هذا يجير على؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
" من شتم عمارا فقد شتم الله سبحانه "
، وأجار الرجل وماله وأهله، فقال لعمار لا تجر بعد هذا أحدا على أميرك، وتبعه خالد واسترضاه فرضى عنه.
[4.60]
{ ألم تر } تعجب { إلى الذين يزعمون } يقولون قولا كاذبا، وقيل يظنون، وفيه أنهم لا يظنون أنهم آمنوا بالقرآن بل يعلمون أنهم كفروا به { أنهم ءامنوا بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك يريدون } حال، أو كأنه قيل ما شأنهم، فقال يريدون { أن يتحاكموا إلى الطاغوت } الكثير الطغيان أو الرئيس فى الضلال { وقد أمروا أن يكفروا به } أى بدينه، أو معنى الكفر به أن لا يعتبروه فى أمر دينه، وهو هنا كعب بن الأشرف لأن فيه كثرة الطغيان والرياسة فى الضلال، أو إلى الشيطان، مع أن التحاكم إلى كعب، لكن لما كان سبب التحاكم إليه الشيطان قال إلى الشيطان، أو سماه شيطانا استعارة أو حقيقة، أو لأن الشيطان هوالحامل له على التحاكم إلى كعب، فالتجوز إرسالى دعا يهودى بشرا المنافق أن يتحاكما إلى النبى صلى الله عليه وسلم، ودعاه المنافق إلى كعب وتحاكما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحكم لليهودى، فطلبه المنافق أن يعيدا إلى عمر رضى الله عنه، فمضيا إليه، فقال اليهودى: قد حكم لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يرض بشر، فقال لبشر: أكذلك؟ فقال: نعم، فقال: رويدا حتى أخرج إليكما، فدخل عمر البيت، وأخذ سيفه، فضرب به بشرا وقال: هكذا أقضى على من لم يرض بقضاء الله ورسوله، ونزلت الآية، وقال لجبريل: إن عمر فرق بين الحق والباطل فلقب بالفاروق { ويريد الشيطان } المدكور باسم الطاغوت أو جنس الشيطان { أن يضلهم } عن الحق { ضلالا بعيدا } أى إضلالا بعيدا عن الحق أو يضلهم فيضلوا إضلالا بعيدا.
[4.61]
{ وإذا قيل } الخ عطف على يريدون فالتعجب منسحب عليه أيضا { لهم تعالوا إلى مآ أنزل الله } من القرآن وسائر الوحى إليه صلى الله عليه وسلم { وإلى الرسول } ليحكم به بيننا { رأيت المنافقين } أى رأيتهم، لكن وضع الظاهر ليذمهم باسم النفاق، ويلوح بأن علة الصد النفاق { يصدون } يعرضون { عنك صدودا } ولو كان المعنى يصدون الناس عنك لقال يصدون عنك صدا، لأن صدودا نادر فى المتعدى، والصد فى المفعول، والسد فى المحسوس، وقيل نزل ألم تر الخ فى ناس تحاكموا إلى أبى برزة الكاهن، وقيل فى جماعة من اليهود قريظة والنضير أسلموا، وتخاصموا فى قتيل إلى أبى برزة، فقال: أعظموا اللقمة، فقالوا لك عشرة أوسق، فقال: بل مائة، ولم يرضوا إلا بعشرة فلم يحكم، وروى ابن أبى شيبة عن علي عنه صلى الله عليه وسلم:
" لا طاعة لبشر فى معصية الله تعالى ".
[4.62]
{ فكيف } حالهم أو صفتهم، أيصبرون أو يقدرون على الفرار { إذآ أصابهم مصيبة } كقتل عمر رضى الله عنه بشر المنافق، ونقمة الله دنيا { بمآ قدمت أيديهم } من المعاصى والنفاق وإطلاع اليهود على السر { ثم جآءوك } اعتذارا { يحلفون بالله } يجىء المصاب الحى أو من يليه أو يجىء من يلى الميت الذى مات بتلك المصيبة { إن أردنآ } بما قلنا أو فعلنا { إلآ إحسانا } إلى الخصم بالصلح، أو إليك يا رسول الله { وتوفيقا } تأليفا بين الخصمين، أو بينكم وبين عدوكم من المشركين، كما جاء أصحاب الذى قتله عمر طالبين ذمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا: ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أن يحسن إلى صاحبنا ويوفق بينه وبين خصمه دون الحمل على مر الحق الذى هو عادتك بلا تساهل.
ناپیژندل شوی مخ