259

تيسير التفسير

تيسير التفسير

ژانرونه

إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه

[النساء: 31]، فليس فى آيتنا هذه أن الله لا يغفر الخ، إن الكبيرة تغفر بلا توبة، والآية حجة على الخوارج، إذ قالوا إن كل ذنب شرك أو كل كبيرة شرك، وهم الصقرية والنجدية والأزارقة، قال السعد فى حاشية الكشاف: لما كانت الآية نازلة فى شأن التائب دل سبب النزول على أن المراد بقوله: { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ، لمن يكون تائبا من ذنبه فلا يفيد جواز المغفرة بدون التوبة، أهو، يعنى ردا لهذه الآية إلى سائر آيات التوبة، فلا يعترض بأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، بل قيد آية بغيرها، والآية نزلت بسبب تائب كما روى أن شيخا من العرب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنى شيخ منهمك فى الذنوب إلا أنى لم أشرك بالله شيئا منذ عرفته وآمنت به، ولم أتخذ من دونه وليا، ولم أوقع المعاصى جرأة على الله ومكابرة له وما نوهت طرفة عين أنى أعجز الله هربأ، وإنى لنادم تائب مستغفر، فماترى حالى عند الله؟ فنزلت { ومن يشرك بالله } فى اعتقاد أو قول مع اعتقاد أو فعل مع اعتقاد { فقد افترى إثما عظيما } أعظم من كل ذنب إلا الإياس من قبول التوبة من شىء ما، فإنه أعظم من ذلك كله، وإلا كتم نبى وحيا، فإنه أعظم من ذلك، إلا أنه لم يكتم نبى قط، حاشاهم صلى الله وسلم عليهم، والافتراء القطع، وهو حقيقة فى الكذب، وفى فعل ما لا يصلح، وقيل مجاز مرسل أو استعارة فيما لا يصلح.

[4.49]

{ ألم تر الذين يزكون أنفسهم } هم اليهود القائلون نحن أبناء الله وأحباؤه، واليهود والنصارى القائلون لن يدخل الجنة إلا من الخ، واليهود الذين أتوا بأطفالهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

" فقالوا: هل على هؤلاء ذنب؟ قال لا، فقالوا: والله ما نحن إلآ كهيئتهم، ما عملنا بالنهار كفر عنا بالليل، أو بالليل كفر عنا بالنهار "

، ويدخل بالمعنى كل من زكى نفسه ولو موحدا { بلى الله يزكى من يشآء } بطهره أو يحكم بركاته، وهو العالم بما فى القلوب والأسرار والعاقبة، وقد حكم الله بزكاة المؤمنين وذم غيرهم، والتقدير لا يحق تزكيتهم أنفسهم، بل الله يزكى من يشاء { ولا يظلمون } فى ذم الله إياهم ولا فى عقابه لهم على تزكيتهم أنفسهم باطلا { فتيلا } مقدار ما شق النواة أو ما يفتل من الوسخ باليد، وذلك تمثيل، فإنه تعالى لا يظلم أحدا أقل من حبة خردل بلا حد فى القلة.

[4.50-51]

{ انظر كيف يفترون على الله الكذب } فى زعمهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن ذنوبهم فى أحد الملوين تكفر فى الآخر { وكفى به } أى بقولهم أنهم أزكياء، أو بالافتراء { إثما مبينا } وكانت طائفة من اليهود يقولون إن عبادة الأصنام أرضى عند الله مما يدعو إليه محمد فنزل قوله تعالى:

{ ألم تر } تعجيب { إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب } التوراة، حال كونهم يؤمنون، أو كأنه قيل ما حالهم العجيبة فقال { يؤمنون بالجبت } اسم صنم مخصوص، واستعمل فى كل ما عبد من دون الله من غير العقلاء، وقيل أصله بالسين قلبت تاء، هكذا الجبس، وهو ما لا خير فيه، أو الساحر بلغة الحبشة، أو الشيطان بلغه الحبشة، أو حيى بن أخطب أو كعب بن الأشرف { والطاغوت } الباطل، من معبود وغير معبود، عاقل أو غير عاقل، وسبق ذكره فى سورة البقرة، وعن عمر: هو الشيطان، وقيل الشيطان كان فى صورة إنسان، أو هو الكاهن، أو كعب بن الأشرف، أو من يكونون بين يدى الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس { ويقولون للذين كفروا هؤلآء } عبدة الأصنام من العرب { أهدى } أقوم، هو باق على التفضيل، تهكما بهم، أو باعتبار اعتقادهم، أن لهم هدى، لأن اسم التفضيل لا يخرج عن بابه مع وجود من التفضيلية { من الذين ءامنوا سبيلا } وقيل نزلت الآية فى حيى بن أخطب بحاء مهملة وياء مفتوحة بعدها ياء مشددة، تصغير حى، حبر من اليهود، قال ما انزل الله على بشر من شىء، فنزعوه، وجعلوا فى رتبته كعب بن الأشرف، وفى كعب هذا وجمع من اليهود خرجوا إلى مكة يحالفون قريشا على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد حرب أحد، وقد جرى قبل ذلك عهد بين اليهود وبينه صلى الله عليه وسلم، إنه إن لم يكونوا عونا له ولدينه على أعدائه لم يكونوا عليه ولا منضمين إلى أعدائه ونقضوا العهد، ونزل كعب على أبى سفيان، فأحسن مثواه، فنزل اليهود دور قريش، فقال أهل مكة: إنكم أهل كتاب مثل محمد، فأنتم أقرب إليه منكم إلينا، فلا نأمن أن يكون هذا مكرا منكم، فإن أردتم أن نخرج معكم يشيرون إلى غزوة الأحزاب الواقعة بعد، فاسجدوا لآلهتنا وآمنوا بها حتى تطمئن قلوبنا إليكم، ففعلوا، وذلك إيمانهم بالجبت والطاغوت، وقيل هما صنمان، وقال كعب: ليجىء منا ثلاثون، ومنكم ثلاثون فنلزق أكبادنا بالكعبة، فنعاهد رب الكعبة لنجتهدن على قتال محمد، ففعلوا، وقال أبو سفيان لكعب إنك لامرؤ تقرأ الكتاب وتعلم ونحن أميون لا نعلم، فأينا أهدى طريقا، أنحن أن محمد؟ فقال كعب: اعرضوا على دينكم، فقالوا: نحن نذبح للحجيج الكوماء، ونسقيهم الماء، ونقرى الضيف، ونفك العانى، ونصل الرحم، ونعمر بيت ربنا، ونطوف به ونحن أهل الحرم، ومحمد فارق دين آبائه، وقطع الرحم، وفارق الحرم وديننا القديم، ودين محمد الحديث، فقال كعب: أنتم والله أهدى سبيلا، فأقول نزلت الآية فى ذلك كله.

[4.52]

ناپیژندل شوی مخ