وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة
[آل عمران: 81]، ويجوز أن التبيين لألفاظ الكتاب بأن تقرأ وتشهر، وفيها الدلالة على رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والكتمان لمعانيه بأن لا تفسر لجاهلها، أو تحرف بالتأويل، أو بزيادة تفسدها أو التبيين للمعنى والكتم للألفاظ { فنبذوه } أى الميثاق والكتاب { ورآء ظهورهم } شبه ترك العمل بالميثاق أوالكتاب بإلقاء الشىء وراء الظهر احتقارا له، والواجب عليهم جعلها نصب عيونهم { واشتروا به ثمنا قليلا } استبدلوا به الثمن القليل استبدال بائع ما باعه بثمن قليل، تركوه وأخذوا بدله مالا حقيرا، وجاها حقيرا، فكلاهما ثمن قليل، والتنكير للتحقير، فإنه ولو عظم لكنه حقير قليل بالنسبة إلى ما تركوه من الدين، ومن ثواب الآخرة إذ كتموهما لما يأخذونه من السفلة برياسة العلم، ويلتحق بهم من كتم أحكام القرآن، أو فسره بما ليس معنى له اتباعا لهواه من هذه الأمة، بل هو أولى بالذم فهو من مفهوم الأولى، لأن القرآن أفضل الكتب قال صلى الله عليه وسلم
" من كتم علما عن أهله ألجمه الله بلجام من نار "
، وعن على: ما أخذ الله على الجاهل أن يتعلم حتى أخذ على العالم أن يعلم، قال أبو هريرة: لولا ما أخذ الله على أهل اكتاب ما حدثتكم، وقرأ ابوية، وقال الحسن: لولا الميثاق الذى أخذ الله تعالى على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه، وكان قتادة يقول: طوبى لعالم ناطق ولمستمع واع، هذا علم علما فنشره، وهذا سمع خيرا فعل به، قال الحسن بن عمارة قلت للزهرى، حدثنى بعد أن ترك الحديث، فقال: ألم تعلم أنى تركت الحديث؟ فقلت إما أن تحدثنى أو أحدثك؛ فقال حدثنى، فقلت: حدثنى ابن عيينة عن نجم الخراز ، سمعت على بن أبى طالب يقول: ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا، فحدثنى الزهرى أربعين حديثا { فبئس ما يشترون } بئس الثمن الذى يشترونه إذ أوردهم النار أو بئس شراؤهم، والمخصوص محذوف أى هذا.
[3.188]
{ لا تحسبن الذين يفرحون بمآ أوتوا } بما أتوه من الضلال والإضلال، أى فعلوه من الإتيان، وهو ثلاثى والخطاب فى قراءة لا تحسبن بالتاء الفوقية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل من يصلح له، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن شىء مما فى التوراة فأخبروه بخلاف ما فيها، ففرحوا بالغش، وقد كانوا كتموا صفاته فى التوراة صلى الله عليه وسلم،وتخلف قوم عن الغزو واعتذروا بأن التخلف مصلحة، وطلبوا الحمد عليه، وكان المنافقون يفرحون بنفاقهم، ويستحمدون إلى المؤمنين بإيمان لم يفعلوه، وذكر بعض أن أكثر المنافقين فى المدينة اليهود، ونزلت الآية فى ذلك كله { ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا } من الحق، يحبون أن يحمدهم الرسول والصحابة والناس على فعل الحق مع أنهم لم يفعلوه، بل بقوا على الضلال، والمفعول الثانى محذوف أي لا تحسبن الذين يفرحون بما أوتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ناجين أو من أهل الجنة أو يخفى علينا أمرهم أو يفوتنا عذابهم وقوله { فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب } توكيد لما قبله وبمفازة مفعول ثان لتحسب الثانى، ويجوز فى يحسب الأول بالياء أن يجعل مفعوله الأول محذوفا تقديره أنفسهم أولا تحسبنهم توكيد للاتحسبن الذين كفروا، ولا مفعول له ثان، وقوله بمفازة مفعول ثان لتحسبن الأول، والمفازة بقعة ينجى فيها من العذاب وهو اسم مكان ميمى، بل هم في مكان النار يعذبون فيه، فمن العذاب نعته أو المفازة الفوز، والنجاة وهو مصدر ميمى فيتعلق به من { ولهم عذاب أليم } بذلك التدليس والكفر، وفى الآية وعيد لمن يحب أن يحمد بما لم يفعل من هذه الأمة أيضا ولا يختص بأهل الكتاب.
[3.189-190]
{ ولله ملك السموت والأرض } فهو يملك أمرهما وما فيهما من خزائن المطر والرزق والنبات، ويملك أمر الخلق فبطل قولهم، إن الله فقير { والله على كل شىء قدير } يقبض ويبسط، ويعاقب الكفرة، قالت قريش لليهود: ما كان فيكم موسى؟ قالوا: له عصاة ويده بيضاء للناظرين، وقالوا للنصارى: ما كان فيكم عيسى؟ قالوا: يبرىء الأكمه والأبرص ويحيى الموتى، فقالوا له صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يجعل لنا الصفا ذهبا، فدعا ربه فنزل قوله تعالى:
{ إن فى خلق السموت } وما فيها من النيرات السبعة، قال صلى الله عليه وسلم فى الآية هذه:
" ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها "
ناپیژندل شوی مخ