له عن عدو فى ثياب صديق
ظاهرها مظنة السرور، وباطنها مطية الشرور، وأما من جعلها لهما فنعمت المطية له، وهى بلاغ إلى ما هو خير منها، قال صلى الله عليه وسلم:
" من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته، وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، ويؤتى إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه "
، رواه أحمد ومسلم عن عبد الله بن عمر.
[3.186]
{ لتبلون } أيها المؤمنون، قيل والنبى { فى أموالكم } والله لتعاملن معاملة المختبر فى أموالكم، بإيجاب الإنفاق منها، وإيجاب الصبر على الآفات فيها واقتصر بعض على هذا وضعفوه، وربما تقوى بأن الواجب فى الأموال قد نزل وقبلوه، وليس مستقبلا نزوله { وأنفسكم } بإيجاب الجهاد والصبر على الجراح، والأسر، والمرض، والجوع، والتعب، والهموم، والصبر على موتاكم، والآية تسلية عما يأتى ليقابلوه بحسن الصبر بعد تسلية عما مضى، لأن هجوم البلاء مما يزيد فى اللأواء، والاستعداد للكرب مما يهون الخطب، وقدم الأموال ترقيا من الشريف إلى الأشرف، ولأن الآفات فيها أكثر { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } اليهود والنصارى والصائبين { ومن الذين أشركوا } كفار قريش وغيرهم من العرب { أذى كثيرا } كهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن فى دينه، وإغراء الكفرة على المسلمين، والتشبب بنسائهم، أخبرهم الله بأنه سيكون ذلك ليستعدوا له بالصبر، ويسهل عليهم بعض سهولة { وإن تصبروا } على ما ذكر من البلاء فى أموالكم وأنفسكم والأذى { وتتقوا } مخالفه أمر الله ونهيه أثابكم الله ما لا غاية له أو أحسنتم أو أصبتم { فإن ذلك } أى لأن ذلك المذكور من الصبر والاتقاء والبعد لعلو درجة الصبر والاتقاء أو لعدم ذكر المشار إليه تصريحا وأفرد الكاف لخطاب من يصلح، أو للعموم البدلى بعد الشمولى، أو للنبى صلى الله عليه وسلم خصوصا بعد العموم، وإما أن يقال أفرد لأن المراد بالخطاب مجرد التنبيه فلا وجه له لبقاء الخطاب بلا مخاطب { من عزم الأمور } أى من معزومات الأمور، والعزم مصدر بمعنى اسم مفعول، أى من الأمور المعزوم عليها، أى التى يجب العزم عليها، والعازم العبد أى يجب أن يقصدها ويصمم عليها، أو الله، أى أوجبها الله عليكم إيجابا شديدا، يجوز أن يقال عزم الله على كذا، وعزم كذا بمعنى أوجبه، ومن ذلك قولهم عزمات الله وقراءة بعض، فإذا عزمت فتوكل على الله بضم التاء، وأما قول أم عطية نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا، ورواية، رغبنا فى قيام رمضان من غير عزيمة، فلا دليل فيهم لإمكان العزم منه صلى الله عليه وسلم والصبر والاتقاء واجبان قبل نزول القتال وبعده، فالقتال واجب مع الصبر والاتقاء فلا نسخ فى الآية، بل أمره الله بالصبر على أذاهم بالقول والفعل والطعن ومداراتهم وتحريفهم عن تأويلهم الفاسد، والصبر على قتالهم، ومشاق القتال، ركب صلى الله عليه وسلم وأردف أسامة خلفه على دابة فوقها قطيفة فدكيه ليعود سعد بن عبادة فى بنى الحارث ابن الخزرج، فمر بمجلس فيه عبد الله بن أبى، وفيه اليهود، والمشركون، والمسلمون، وغشيهم عجاجة الدابة فخمر أنفه، فقال: لا تغبروا علينا، فنزل صلى الله عليه وسلم فوعظهم، ودعاهم إلى الله سبحانه، وقرأ القرآن، فقال ابن أبى: أيها المرء لا أحسن مما تقول، إن كان حقا فلا تؤذنا فى مجالسنا، ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه، فقال عبدالله بن رواحة: بلى اغشنا يا رسول الله في مجالسنا، نحب ذلك، فكاد القتال يقع، واشتد التساب، فما زال صلى الله عليه وسلم يسكتهم حتى سكتوا فلما دخل على سعد رضى الله عنه ذكر ذلك له، فقال يا رسول الله اعف عنه، جئتنا، وقد اصطلحوا أن يتوجوه ويعصبوه، فزال ذلك بما جئتنا به، فعفا عنه، وكان كعب بن الأشرف اليهودى يهجو المؤمنين، ويتشبب بنسائهم، ويكفر به صلى الله عليه وسلم هو واليهود والمشركون، ويشتد أذاه، فقال صلى الله عليه وسلم: من لي بابن الأشرف؟ فقال محمد بن سلمة: أنا يا رسول الله، فخرج هو وأبو نائلة رضيعه، وجماعة فجاءوا برأسه آخر الليل، وهو يصلى، ونزلت الآية فى ذلك كله.
[3.187]
{ وإذ أخذ الله ميثاق } أى ما عهد إليهم فى التوراة { الذين أوتوا الكتاب } أى العلماء { لتبيننه } أى الكتاب، أى أحكام الكتاب وأخباره، وهو التوراة والإنجيل، فالهاء للكتاب فى قوله أوتوا الكتاب، لا للنبى صلى الله عليه وسلم، لأن رد الضمير إلى مذكور بلا تكلف ولا ضعف أولى، ولأن التبيين والكتم والنبذ وراء الظهر، واشتراء الثمن أنسب بالكتاب، ولو قبلت التأويل مع الرد إليه صلى الله عليه وسلم { للناس ولا تكتمونه } تأكيد لما قبله، ذلك حكاية للخطاب الواقع فى وقت أخذ الميثاق، وفى أخذ الميثاق معنى القول، فالمعنى، قال لهم لتبيننه للناس ولا تكتمونه، كقوله تعالى:
وإذ أخذنا ميثاق بنى إسرائيل لا تعبدون إلا الله
[البقرة: 83]،
ناپیژندل شوی مخ