فيقال وهل في قوله سبحانه: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ معارضة لقوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ فالأمر كله له وحده ووعد نبيه أنه سيرضيه، وقوله إن الآية في أناس مخصوصين، مراده أن حكمها لا يتعداهم، ليس مراده أنهم سبب النزول فهو يقول إن غير هؤلاء المخصوصين للنبي من أمرهم شيء، فيكون شريكا لله في أمر غير هؤلاء المخصوصين، ولهذا احتج بقوله سبحانه: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ قال: ولم يقل هنا ليس لك من الأمر شيء. فجعل قوله سبحانه: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ معارضا لقوله: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ لأنه عارض هذه الآية بتلك الآية وضرب كلام الله ورسوله بعضه ببعض، مع أنه ليس بين الآيتين ما يوهم التعارض فالذي له الأمر كله وعد نبيه أن يعطيه فيرضى، وإنما مراده بإيراد الآية التلبيس والإيهام للجهال، والله سبحانه لم يقل ليس لك من أمر هؤلاء المخصوصين شيء وإنما قال: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ والألف واللام تفيذ العموم عند الأصوليين، وقال تعالى: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ﴾ وقال: ﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾ .
قال ابن كثير على قول سبحانه: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ بعد الكلام على أول الآية قال: ثم اعترض بجملة دالة على أن الحكم في الدنيا والآخرة له وحده لا شريك له فقال:
﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ بل الأمر كله لي كما قال تعالى١: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ وقال: ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ قال محمد بن إسحاق: لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ أي ليس لك شيء من الحكم في عبادي إلا ما أمرتك به فيهم. انتهى.
قال تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ أورد ابن جرير عند تفسير هذه
_________
١ في "ط" و"ب" سقطت "تعالى".
1 / 72