لهذا المتخرص: إنما تكون الشفاعة لمن أراد الله رحمته وإن كان قد عذبه قبل ذلك، فإذا أراد الله سبحانه رحمة إنسان قد استجوب العذاب أو قد دخل النار أخرجه منها برحمته، أو أذن لمن يشاء من عباده أن يشفع فيه كما في بعض أحاديث الشفاعة "أن الله سبحانه إذا أراد رحمة من شاء ممن في النار أذن في الشفاعة فيه﴾ ١ وأما من أراد الله ضره في الآخرة أو في الدنيا فلا منقذ له ولا شفيع، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: ١٧] .
وقوله: لا شك أن الله أراد بضر ونفعه شفاعة الشافعين.
فنقول لا شك في بطلان هذا الكلام، بل هو كفر، لأن حقيقة كلامه هذا أن شفاعة الشافعين منعت من نفوذ إرادة الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
قال المعترض: وأما استدلاله بقول الله ﷾: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ [آل عمران ١٢٨] . فيقال هذه نازلة في أناس مخصوصين من الكفار آذوا النبي ﷺ فدعا عليهم بالهلاك وكان علم الله فيهم من يؤمن فقال: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ فهذه الآية في أناس مخصوصين، ونحن كلامنا في نفع النبي ﷺ أمته بالشفاعة فقد أخبره الله بقوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ وأنزل له جبريل يقول الله٢ ﴿نرضيك في أمتك ولا نسوءك﴾ ٣ ولم يقل هنا ليس لك من الأمر شيء. انتهى.
يزعم المعترض أن قوله سبحانه: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ﴾ في أناس مخصوصين، ونحن كلامنا في نفع النبي ﷺ أمته بالشفاعة وقد أخبره بقوله: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ ولم يقل هنا ليس لك من الأمر شيء.
_________
﴿١﴾ أخرجه الإمام أحمد في المسند "٣ / ٥".
﴿٢﴾ في "ب" "وأنزل له جبريل بقوله".
﴿٣﴾ أخرجه مسلم كتاب الإيمان، باب دعاء النبي ﷺ لأمته وبكائه شفقة عليهم، حديث رقم ٤٩٨.
1 / 71