فلما قرا معاوية الكتاب، كتب إليه : أما بعد، فإنى لم أرك تدنو فأعدك سلما، ولم أرك تباعد فأعدك حربا، وليس مثلى ينخدع ومعه عدد الرجال، وبيده أعنة الخيل!
~~فلما قرأ كتاب معاوية ورأى أنه لا يقبل منه المدافعة، كتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم، من قيس بن سعد إلى معاوية بن أبى سفيان: أما بعد، فالعجب العجيب من اغترارك وطمعك في أن تسومنى للخروج من طاعة أؤلى الناس بالإمارة، وأقولهم للحق وأقربهم من رسول الله ، وتأمرنى بالدخول فى طاعة أبعد الناس من هذا الأمر ، وأقولهم بالزور وأضلهم سبيلا، وقولك: إنى مالئ عليك مصر خيلا ورجلا، فوالله لأشغلنك بنفسك حتى تكون نفسك أهم إليك، إنك لذو جد، والسلام. فلما أتى معاوية كتاب قيس أيس منه وثقل عليه مكانه .
~~قال الزهرى: كان معاوية وعمرو بن العاص جاهدين أن يخرجا قيسا من مصر ليغلبا عليها، وكان قد امتنع منهما بالدهاء والمكايدة، فلم يقدرا عليه حتى كاد معاوية قيس بن سعد من قبل على، فكان معاوية يقول: ما ابتدعت مكايدة قط كانت أعجب عندى من مكايدة كذث بها قيسا من قبل على ، فكتبت إلى أهل الشام : لا تسبوا قيسا؛ فإنه لنا شيعة تاتينا كتبه ونصيحته سرا، ألا ترونه يحسن إلى كل راكب منكم؟! ألا ترون ما يفعل بإخوانكم من أهل خربتا؟! يجرى عليهم أعطياتهم وارزاقهم ، فبلغ ذلك عليا؛ فاتهم قيسا، وكتب إليه يأمره بقتال أهل خربتا - وأهل خربتا يومئذ عشرة آلاف - فأبى وكتب إلى على : إنهم وجوه أهل مصر، وقد رضوا منى أن أؤمن سربهم، وأجرى عليهم اعطياتهم، وقد علمت أن هواهم مع معاوية، فأبى على - رضى الله عنه - إلا قتالهم، وأبى قيس أن يقاتلهم، وكتب إلى على: إن كنت تتهمنى فاعزلنى عن عملك، وابعث عليه غيرى؛ فبعث الأشتر إلى مصر أميرا عليها ، حتى إذا صار بالقلزم سقى شربة عسل فيها سم كان قيها حتفه ، فلما بلغ عليا وفاة الأشتر بالقلزم، بعث محمد بن أبى بكر أميرا على مصر ، هذا قول الزهرى.
~~وقال هشام بن محمد : إنما بعث الأشتر بعد هلاك محمد بن أبى بكر، ولما جاء عليا مقتل محمد بن أبى بكر علم أن قيسا كان ينصحه، فأطاعه فى كل شىء .
~~قال علماء السير : وكان على - رضى الله عنه - قد كتب عهد محمد بن أبى بكر لغرة رمضان، فلم يلبث محمد شهرا كاملا حتى بعث إلى أولئك الذين كان قيس وادعهم، وقال : يا هؤلاء، إما أن تدخلوا فى طاعتنا، وإما أن تخرجوا من بلادنا؛ فبعثوا إليه : دعنا حتى ننظر، فأبى، وبعث إليهم رجلا فقتلوه، ثم بعث آخر فقتلوه.
----
مخ ۶۸