ثم إن رامز باشا وقاضي باشا وأعوانهما عندما علموا أن البيرقدار قد هلك في مخزن البارود سقط في أيديهم وفروا إلى رسجق وأرادوا هناك المقاومة فلم يتمكنوا فألتجأ رامز باشا إلى بطرسبرج لأنه أصله من القريم وفر قاضي باشا وبهيج أفندي من أعوانه إلى بلاد القرامان فوقعا في أيدي أعدائهما وقتلا وقد زعزعت هذه الثورة أركان السلطنة فاضطرت الدولة إلى عقد ا لصلح مع الإنجليز فانعدق في 9 يناير سنة 1809 أما مع الروسيا فلم يمكن عقد الصلح، وزحف الروس وأخذوا برايلا على الدانوب وكسروا العثمانيين أمام «سيليسترية» ولكن لم يقدروا على القلعة ودارت السنة الثانية والصدر الأعظم معتصم بقلعة «شمله» لكنه لا يقدر أن يحمي البلاد فأستولى الروس على «سيليستريه» و«رسجق» و«بيقوبوليس» وبزارجق فجعلت الدولة أحمد باشا صدرا أعظم فزحف بستين الف مقاتل على الروس وأجبرهم على إخلاء رسجق.
وفي ذلك الوقت أعلنت فرنسا الحرب على الروسيا فاضطر قيصر الروسيا إلى طلب الصلح من الباب العليا فانعقد الصلح في 28 مايو سنة 1812 وصار نهر البروت هو الحد الفاصل بين المملكتين ولم يبقى في أيدي الروس سوى أفواه الدانوب، وقسم من بسارابيه، وندم السلطان على عقد هذه المعاهدة لأنه الناس نبهوه فيما بعد إلى أن إلى أن الروسيا لم يكن لها مناص من قبول جميع شروطه وأن وزراءه اضاعوا الفرصة فعزلم وتسمى هذه المعاهدة بمعاهدة «بخارست».
ولما تولى محمود الثاني كانت السلطنة في الداخل ممزقة تمزيقا فكان آل شعبان أوغلو حاكمين في شمالي الأناضول وكان آل قره عثمان أوغلو متغلبين على البلاد المجاورة لأزمير وكان في سرس من مقدونية وفي قلبه من تراقية أمراء اصحاب جيوش وقوة ومنعه لا يخضعون تمام الخضوع للحكومة وكانت بلاد العرب في أيدي الوهابين وكانت مصر في يد محمد علي وكانت بلاد السرب ثائرة وكان علي باشا وإلى يانيا مستأثرا ببلاد تساليا وأبيرس وكان «مولا اغا» غالبا عل ودين فأخذ السلطان محمود يعالج امراض السلطنة فرمى الوهابين بمحمد علي والى مصر فساق عليهم جيشا بقيادة ولده طوسون باشا فتغلب الوهابيون على هذا الجيش في الحجاز ولكن توالت النجدات من محمد علي فهزم الوهابين.
ثم صارت الحرب سجالا بين الفريقين ثم أرسل محمد علي وله إبراهيم باشا فبعد حروب شديدة حصر الوهابين في الدرعية وأستولى عليها عنوة وأخذ الأمير السعودي اسيرا وأرسله إلى ابيه ومعه ولده فمحمد على أرسلهما إلى استنابول وقال لهما انني أوصيت الدولة بكما ليحسنوا معاملتكما فقال له ابن سعود يكون ما أراد الله ولكن لما وصل الأمير وابنه إلى الأستانة شنقهما الدولة وكان محمد علي قد ذبح المماليك واستأصلهم جميعا في القطر المصري، وبعد أن استراح فكرة منهم وجه همته إلى إصلاح مصر وقام بأعمال مدهشة بحيث يمكن أن يقال إنه من أعظم مصلحي الشربق بل مصلحي العالم لانه بعث مصر من قبرها وانقذها من عبث المماليك وأنشأ لها جيشا عظيما على طرز الجيوش الأوروبية واعتمد في تدريبه على ضباط من الفرنسيس وأنشأ أسطولا عظيما ودار صنعه بحرية ومعامل للسلاح وبنى مدارس وأرسل طلبه يحصلون العلم في أوروبا وأختقر ترعة بين الإسكندرية والقاهرة وفتح محمد علي السودان وكان في الحقيقن ملكا مستقلا لولا الخراج السنوي الذي كان يدفعه للدولة.
وفي ذلك الوقت ثار الصرب على الدولة لسببين أحدهما نزوعه الطبيعي إلى استرداد ملكهم والثاني سوء الادارة وظلم العمال لهم فلما انتقضوا أراد الوالي أن يسكن الأمور باللطف وحسن السياسة فجاء الانكشارية وذبحوا الوالي، وقتلوا من السربيين عددا كبيرا وكان المجر والنمسويون يساعدون السربيين وامتاز بين السريين رجل اسمه «جورج» لقبه الأتراك «بقره جورج» أي الأسود وكان صارما جدا فأعصوصب حوله جماعة من السربيين وأرادوا عبور نهر الساف الثورة فراود ابنه على الرجوع فأبى فتنازعا وأنتهى الأمر بأن الولد قتل الوالد وأمتدت الثورة واستولى قره جورج على شاباتس و«سمندرية» فأرسلت الدولة جيشا للتنكل بهم وعززته بجيش ثان ولكنهم لم يقدروا على قمع الثورة، وكان القائد إبراهيم باشا تراضي مع السربيين على إعطائهم الاستقلال الداخلي تحت سيادة السلطان وأن تقيم الحاميات العثمانية في المدن فأبى الباب العالي تصديق هذا الصلح فأستؤنف القتال بشدة وحصر السربيون بلغراد وكان فيها سليمان باشا فلما أوشك أن يسقط اتفق معهم على الخروج بجيشه وتسليم البلدة ولكن لما خرج نكث السربيون بالعهد وقتلوه مع جميع العساكر التي معه ثم أرسلت الدولة جيوشا للانتقام من السربيين فكانت الحرب سجالا وازدادت شهرة قره جورج بين السربيين واسبتد بالأمور فوقعة المنافسة بينه وبين كثير من أقرانه واستفادت الدولة من هذا الخلاف فساقت العساكر واسترجعت بلغراد وبددت شمل السربيين.
وفر قره جورج إلى بلاد المجر ورجع الحكم إلى الأتراك فبدأوا هم وأرناؤط بالانتقام من السربيين وقتلوا ونهبوا فعاد السربيون وتألبوا وثاروا ثورة ثانية وتجدد القتال بشدة وكان ميلوش أوبرنوفيتج من زعماء السربيين قعد عرض على القواد العثمانيين الصلح على شرط العفو العام وتأليف مجلس من 12 عضوا ينتخبهم الاهالي ويكون على يدهم توزيع الضرائب وتكون بلاد السربب متمعة باستقلالها المدني والديني والقضائي ويكون لها أمير وأن يبقى في بلغراد قائد عثماني ومعه حامية فانتخب اوبر نوفيتج اميا وصار بيده الأمر والنهي ولم يبق في الوالي التركي من الولاية إلا الاسم وبلغ قره جورج خبر هذا الاتفاق بين الدولة واوبرفيتج فثار به الحسد وجاء إلى بلاد السرب أملا باشعال الثورة فوصل إلى سمندرية فلما علم به أوبرنوفيتج ارسل اليه من قتله غيلة وبعث براسه إلى الأستانة.
فنصبت الدولة رأسه على حائط القصر وفوقه كتابة هذا رأس الشقي قره جورج هذا ما كان من أمر السرب فأما علي باشا التبليني فكان أرناؤطيا وكن ابوه رأس عصابة فورث العيث والفساد في الأرض عن أبيه ولكنه كان داهية حكيما بطلا مغوار معا ولم يكن عنده وجدان يردعه عن شيء فدخل في خدمة الدولة وأقنع ولاة الأمور بتوليته ترحاله وتبالين أولا وسمت نفسه إلى الاستيلاء على يانيا فبث في أطرافها عصائب من قطاع الطريق أقلقوا راحة الأهلية وبعث من جهة أخرى إلى الدولة يعرض عليها أن توله يانيا وأنه يعيد الأمن إلى نصابه فقبلت الدولة اقتراحه وولته يانيا وكانت فرنسا استولت على جزيرة كورفو وأخواتها فخدع علي باشا ضباط الفرنسيس ونال منهم الاذن بالملاحة في بحر كوفرو ولما نشبت الحرب بين الدولة وفرنسا زحف علي باشا على الفرنسيس وأستولى على فونيزة وبريفيزة ثم وجه قوته إلى محو الامارات المسيحية التي بين بلاد اليونان وبلاد الأرناؤوط ولا سيما جمهورية «شولي» فقهرهم بعد أن أعمل الحيل والمال والسيف لذلك وبعد هذا حاز علي باشا والي يانيا شهرة عظيمة ولقبته الدولة بوالي الرومللي ثم أعطت ولديه «ولي» و«مختار» باشويتي الموره وضمت غليه بشوية براه، ثم إنه كان في أبيرس بلدتان لا تزالان مستقلتين وهما أرجيروكاسترو وكارديكي فشن عليهما الغارة وأستأصل أهاليهما ولا سيما أهالي كارديكي.
وكان له في ذلك ثأر قديم غريب الشكل وذلك ان امه خاميكو بعد وفاة أبيه تولت قيادة العصابة محل زوطجها فوقعت في إحدى المرات في ايدي أهل كارديكي هي وابنتها شاميتزه فارتكبوا فيهما الفاحشة فاستحلفت ولدها عليا الذي كان قاصرا أنته متى بلغ رشده يأخذ بثأر أمه وأخته من أهل كارديكي فلم ينس على هذا الثأر ولما قوع أهل كارديكي في يده بحث عن الذين أعتدوا على عرض أمه وأخته فنظمهم بالسقافيد وشواهم على النار كما يشوي لحم الغنم ولكن المذابح التي اجراها على أثارت عليه السخط العام وبدأت الدولة تخشى عائلته فأرسلوا اليه من استانبول من يقتله فكان بحزمه ويقظته يطلع على ذلك، فلم يصل أحد من المرسلين لقتله إلى يانيا بل كان يأخذهم السيف في الطريق قبل وصولهم وكان جمع أموالا عظيمة لأن البلاد التي تولاها كانت مملكة فيها عدة ملايين وبقى واليا عليها نحوا من ستين سنة، فتمكنت قدمه إلى حد أنه أصبح لا يعبأ بطاعىة السلطان.
وكان أحد المقربين إلى على باشا واسمه إسماعيل باشو قد أختلف معه وجاء فعرض للسلطان جميع ما يعلمه من مظالم على وأقنع السلطان بعزل ابن علي باشا عن ولاية المورة فلما علم علي باشا بالخبر أرسل إليه من يقتله فهجم الجناه على إسماعيل باشو على باب جامع ايا صوفيثا ولكنهم لم يوقفوا لقتله فقبضوا عليهم واستنطقوهم فأقروا بأنهم مرسلون من قبل علي باشا فغضب السلطان غضبا عظيما وولي إسماعيل باشو علي يانيا ودلفينو وسرح معه جيشا عظيما لقتال علي باشا فلما علم علي باشا بأنه لم يبق له أمل في عفو السلطان أجمع المقاومة وحاول، أن يستجلب المسيحيين الذي في بلاد اليونان والأرناؤوط إلى صفة واعدا اياهم التحرر من حكم الأتراك.
فأجاب بعضهم نداءه وأمتنع البعض الآخر فأما ا لذين التفوا حوله فسكان الجبال من اليونان الغربية ومن تساليا وكان في مقدمتهم اساقفتهم وأما الذين رفضوا الانضمام إليه فالكثوليك من الأرناؤوط لأنه لم يكن لهم ثقة به غير أنه بسبب سوء إدارة إسماعيل باشو أنضم أكثر المسيحيين إلى علي باشا، وبدأت الحرب فأنكسر علي باشا في البداية وذلك في تساليا وأنحاز اثنان من قواده ع مر فريون وطاهر عباس في خمسة عشر الفا من الجنود إلى العسكر السلطاني وخان عليا أولاده الثلاثة وسلموا القلاع التي في ايديهم إلى الدولة ولما بلغه خيانة أولاده له نادى أنهم ليس لهم حق أن يرثوه وقال أنه لا يعرف له أولاد غير الذين هم أنصاره ولم يبق مع على باشا سوى ثمانية آلاف مقاتل كانوا من نخبة جنوده وبينهم رجال مدفعية ماهرون فوقف بهذه القوة أمام عشرين ألف مقاتل من عسكر الدولة كانوا أحاطوا بمدينة يانيا وشرع علي باشا يراسل المسيحيين الذين مع جيش الدولة وفتح خزائنه لهم وبث الدعاة إلى الثورة في جميع بلاد اليونان وكذلك في بلاد رومانيا ثم لجأ إلى حيلة أخرى لأجل استجلاب النصارى إلى صفة وهو أنه زور كتابات زعم أنه ورد إليه من خالد أفندي أحد مقربي السلطان يقول له فيه إنه في الربيع القادم يجب القيام بقتل عام يستأصل فيه جميع المسيحيين القادرين على حمل السلام وتسبي نساؤهم ويؤخد أولادهم المراهقون لينشأوا في الديانة الإسلامية فصدق النصارى هذا المكتوب المزور، وثاروا بأجمعهم وفي مقدمتهم أهالي جمهورية شولي وأنحازوا إلى علي باشا ومعهم كثير من الأرناؤوط المسلمين فتزعزعت مراكز الأتراك ونسبت الدولة عدم النجاح إلى سوء تدبير إسماعيل باشو فعزلته وعهدت بالقيادة غلى خورشيد باشا وذلك سنة 1821 فسار خورشيد باشا بعشرة آلاف من بلاد اليونان قاصدا يانيا فلما وصل إلى لاريا بلغة أن أهالي مدينة باتراس رفعوا لواء العصيان فأمر بنزع السلاح من أيديهم وتغريم المسيحيين جميعا فبدأت من ذلك الوقت ثورة اليونان وكان أهالي الجزر اليونانية لم يفقدوا قوة المقاومة في وجه الأتراك وكذلك أهالي الجبال الغربية من بلاد اليونان فأنهم كانوا حفظوا نوعا من الاستقلال الدالخي وكان لهم جند وطني يقال له «الارماتوليس «ومعنى هذه اللفظة الرجل الشاكي السلاح وكان الارماتوليس الذين في الجبال لا سخضعون للدولة إلا قليلا فأرادات الدولة أن تخضد شوكتهم وشكلت بأرائهم قوة مسلحة من الأرناؤوط المسلمين بقيادة الأتراك يقال لها «درفند باشا «فتنبه الأروام إلى أن مراد الدولة هو استئصال قوتهم والقضاء على الارماتوليس فلما عصى علي باشا وساقت الدولة عليه الجيش حاول علي باشا أن يستجلب إلى ناحيته هؤلاء الارماتيوليس الذين كان هو من قبل آفه عليهم.
ناپیژندل شوی مخ