154

تاريخ ابن خلدون

تاريخ ابن خلدون

ژانرونه

السلطان مصطفى الرابع

وبايعوا مصطفى الرابع بن عبد الحميد الأول ودخل شيخ الإسلام فأبلغ السلطان سليم فتوى الخلع وإرادة الشعب فتلقى السلطان سليم هذا الأمر بالصبر الجميل واعتزل جانبا وأخذ يقضي أوقاته في تعليم محمود ابن عمه الذي تولى السلطنة فيما بعد باسم محمود الثاني، ولما وصل الخبر إلى الانكشارية على نهر طونه زاطوا فرحا وثاروا على الصدر الأعظم وجعلوا مكانه شلبي مصطفى باشا.

وصار الحكم في إسطنبول لشيخ الإسلام وقائماقام الصدارة ولكن لم يطل الامر حتى وقع الخلف بينهما واستفاد قاباقتجي أوغلو من ذلك فانحاز إلى شيخ الإسلام واسقطا الصدر الأعظم فقام مقامه طيار باشا فاختلفا معه أيضا فاسقطاه فألتجأ إلى مصطفى باشا البيرقدار وإلى رسجق وكان البيرقدار من حزب السلطان سليم، فقرر أن يزحف إلى الأستانة ويخلصها من هذه الفوضى ويرد سليمان إلى السلطنة فأرسل من قبلخ سعاه إلى الصدر الأعظم وكان الصدر مصطفى شلبين - فأكد له أن كل مراد تخليص الأستانة من شيخ الإسلام وقاباقتجي أوغلي فوافق الصدر على ذلك ومالأهم اليسد علي ناظر البحرية وحف البيرقدار بستة عشرة الف عسكري على الأستانة فلما علم السلطان مصطفى الرابع بهذه الحركة صدر أمره بعزل شيخ الإسلام وأعوانه وحل نظام عسكر اليمك وكان مصطفى اليرقدار على باب الأستانة فأظهر رضاء وظن السلطان مصطفى أن الفتنة قد أنقضت وذهب إلى كوشك كوك صوتنيز ولكن البيرقدار كان ناويا أن لا يرجع حتى يرد السلطان سليما إلى السلطنة فهاجم القصر واتفق الانكشارية معه وبلغ السلطان مصطفى ذلك فرجع إلى القصر وأرسل إلى البيرقدار يقول له ليتمهل فأنه لا يلبيث أن يخرج أإليه السلطان سليم، وفي الوقت نفسه أمر مصطفى الرابع جماعة من رجاله بقتل سليم الثالث وكان السلطان سليم قوى النية موفق العضلات، فصرع جملة ممن هاجموه قبل أن سقط قتيلا ولما قيل للسلطاتن مصطفى أنه قد قضي عليه جاء ونظر إليه وقال قولوا لباشا روسجق ليأخذ الآن السلطان سليم الذي يريده، وكان البيرقدار ويقال له أيضا العلمدار قد دخل القصر ع نوه فرآ السلطان سليم مدرجا بدمائه فصاح وي أفندق وأخذ يلطم نفسه ويبكى فقال له سيد علي نظار البحرية: ليس لباشا روسجق مصطفى السلمدار أن يبكي بكاء النساء فلندق البكاء ولنقتص من قتلة السلطان السليم ولنخلص السلطان محمود الذي يجوز أن يقتل أيضا فرجع البيرقدار إلى رشده وخلع السلطان مصطفى وحبسه.

السلطان محمود الثاني

وبايع أخاه محمودا بالسلطنة وذلك في 28 يوليو سنة 1808

وفي سنة 1917 طفت أنا محرر هذه السطور مع بعض زملائي نواب الامة العثمانية في قصر طوب قبو مقر السلاطين العظام قبل أن صاروا يسكنون في قصر طولمة بفجة وكشك يلدز وكان يدلنا على آثاره التاريخية وأقسامه الكثيرة المدهشة، المؤرخ أحمد رفيق بك ولما وصلنا إلى الغرفة التي قتل فيها السلطان سليم الثاثل رحمه الله دلنا على المكان الذي سقط فيه صريعا، وهو لا يزال معروفا إلى الآن، وبهذه المناسبة روى لنا حادثة مصطفى العلمدار هذه بتفاصيلها وقال: إن الذين قتلوا السلطان سليمان أرادوا قتل السلطان محمود أيضا بحيث لا يبقى غير السلطان مصطفى فيضطر العلمدار إلى قبول سلطنته فإنه كان لم يبق إلا سليم ومصطفى ومحمود فجماعة مصطفى بعد قتل سليم جاسوا خلال القصر ليجدوا محمود ليقتلوه فكان الجوري أخذن محمود وخبأته في مدخنه لم تخطر على بال القتلة فبقى مختبئا في هذه المدخنة إلى أن قبض مصطفى باشا البيرقدار على السلطان مصطفى فأخرجوا محمودا من المدخنة وبايعون سلطانا ولو لم يوجد محمود لكانوا مضطرين أن يبقوا طائعين للسلطان مصطفى قال لنا رفيق بك إنه أدرك جارية عاشت طويلا وماتت في زمان السلطان عبد المجيد بن السلطان محمود وكانت تقص له كيفية قتل السلطان سليم الثالث لأنها شهدت ذلك عيانا.

ولما تولى السلطان محمود الثاني ولي البيرقدار مقام الصدارة العظمى فبدأ هذه بقتل جميع أعوان السلطان مصطفى وزعماء عسكر اليمك وانفرد البيرقدار بالأمر والنهي وعقد مجمعا من جميع الاعيان والوزوراء، وأوضح لهم وجوب إصلاح أوجاق الانكشارية وتأسيس جيش يشارع الجيوش الأوروبية في تعليمه ومعداته وقال الصدر الأعظم إنه هو من جملة الانكشارية وهو يفتخر بكونه ممن هذا النظام ولكنه يرى أن هذا النظام قد فسد وأنه كان نظاما لا يغلب لو لم ينحرف عن جادىة تعاليم الحاج بيكتاش ولكن هذا الجيش بعد أن كان مدة قرون هو عماد السلطنة وكان العالم يرتجف خوفا منه آل من الفساد إلى أن فقد كل مزاياه القديمة ونسى جميع القوانين التي كان فرض عليه العمل بها السلطان سليمان القانوني وصار الترقي فيه بالرشوة وصارت الرتب تحت المزاد وعم الجهل بالفنون العسكرية فأنحطت منزلة هذا الجيش انحطاطا عظيما ولذلك فقد أمرني السلطان بأن استأصل جميع هذه المفاسد من أوجاق الانكشارية وأن أجبر جميع الانكشارية غير المزوجين على السكن في الثكن العسكرية وأن لا أدفع رواتب إلا للانكشارية المقيمين في الثكن وأن أمنع بيع الجرايات والرواتب وأن أوجب على جميع الانكشارية التقيد بتعاليم السلطان سليمان واتباع الطرق العصرية الأوروبية التي أفنى العلماء بوجوب اتباعها كما أن مولاي السلطان عازم على تأسيس جيش جديد من شبان المسلمين ومن أنفس الانكشارية يتلقى الطرق العصرية الأوروبية التي يمكنه أن يقاتل بها الكفار بنجاح هذا مع المحافظة على نظام الطاعة والاتحاد الذي كان عند الانكشارية القدماء.

فوافق جميع الوزراء وأعيان السلطنة على هذا القرار وأفتى شيخ الإسلام بوجوبه وظن الناس أن كل شيء قد أنتهى.

إلا أن فوز البيرقدار كان عظيما إلى حد أن غص به النظراء وصاروا يتربصون به الدوائر وكان قد أغضب العلماء باحتقاره إياهم وبعزمه على التصرف بأوقاف المساجد وارتكبت البيرقدار خطيئة تبديد الجيش الذي دخل به الأستانة فأنه كان أرسل منه أثني عشر الفا إلى مدينة فيلبه لقتال مولا اغا الثائر ها فلم يبق عنده إلا سبعة آلاف لم يكونوا بقوة كافية ليمنعوه من أعدائه فزحف الانكشارية إلى القصر لينقذوا السلطان مصطفى الرابع ويردوه إلى السلطنة فقابلهم الببيرقدار بشرذمة من العسكر الجديد لفلم يقدر عليهم لتفوقهم في العدد فقتل السلطان مصطفى ورمى إليه بجثته فازداد واحنقا وأحرقوا جانبا من القصر ودخلو وأوشكوا أن يقبضوا عليه وعلى أوانه فلجأ إلى مخزن البارود ووضع فيه النار فهلك هو وأعوانه تحت أنقاض مخزن البارود ولم يشأ أن يستسلم إلى أعدائه.

وأنتصر للعلمدار رامز باشا ناظر البحرية ورمى الانكشارية بالقنابر وأسرع قاضي باشا بثلاثة آلاف من الجند للمحافظة على شخص السلطان وأخذ الانشكارية يتراجعون وأراد رامز باشا أن يعلن العفو إلا أن قاضي باشا خالفه في هذا الأمر وأصر على الانتقام فلما رأى الانكشارية أنهم قد أحبط بهم حل بهم اليأس فوضعوا النار بالبلدة وهي كما لا يخفى مبنية بالخشب، فكادت النار تلتهم جميع الأستانة لتشاغل الناس بالفتنة عن إطفاء الحريق.

ناپیژندل شوی مخ