156

تاريخ ابن خلدون

تاريخ ابن خلدون

ژانرونه

وكانت بلاد اليونان قد استعدت للثورة وذلك لأن الأروام أهل حركة ونشاط وهم أقوم على التجارة والملاحة من كل قوم وكانت ثروتهم قد ازدادت كثيرة عن ذي قبل بانصرافهم إلى التجار وكانوا يجوبون البحار كلها، وفي كل مكان من أوروبا تجار من الأروام فلا يكاد يخلو منهم مكان وكانوا هم الواسطة بين الشرق والغرب وكانت الدولة العثمانية نفسها تحتاج إليهم وتستخدم منهم في سفنها وبأحتكاك الأروام الدائم مع الأوروبيين وحروب الأوروبيين مع الدولة العثمانية إزداد نزوع الأروام إللاى الاستقلال وانقسموا إلى قسمين منهم ممن يريد الاستقلال العاجل بقوة السلاح وآخرون يرون المصلحىة في عدم مقاومة الدولة العثمانية بالسيف. بل بتهذيب الأمة اليونانية وترقيتها حتى تنال تدريجيا حقوقها ويأتي وقت تتحرر من حكم الترك تماما.

وفي سنة 1813 عندما تألبت جميع دول أوروبا على نابوليون ظن الأروام أن دول الاتحاد المقدس ستمد إليهم يد السماعدة ولكن دول الاتحاد المقدس كانت تكره تحرير الشعوب لمخالفته لمباديها فخاب أمل اليونان فيها ثم إن علي باشا التبليني كان قد ضرب التجارة اليونانية من تجار رأوا كساد تجارتهم وضباط تدربوا في الجيوش الأوروبية وناشئه تعلموا في مدارس أوروبا أنه لا خلاص لبلاد اليونان إلا بالثورة العامة، وكما يحصل في جميع الأمم المقهورة تألفت الجمعيات السرية ودخل فيها الوف من الأروام وتألفت شعب لهذه الجمعيات السرية في أوروبا وفي نفس القسطنطينية ويقال إنه كان في القسطنطينية عاصمة تركيا 17 ألف شخص تابعون للجمعية المركزية وكانوا مطلعين على كل شيء وكانت لهم في بلاد رومانيا وبسارابيا جمعيات تعمل بالاتحاد مع الأروام فتنبهت تركيا لهم وبطشت بكثير منهم وكان اهالي باتراس في بلاد اليونان قد ثاروا بالسلاح على الحامية التركية وانتظروا أن تأتيهم نجدىة من الروس وكان الثوار نحوا من عشرة آلاف فساقت الدولة جيشا مزق شملهم فاعتصموا بالجبال وامتدت حركة العصيان في الجزر اليونانية وبلغت الحماسة من الأروام أن أمرأة أسمها بوبولينة جهرة بما لها ثلاث بوارج حربية وتولت قيادتها ووجد من أغنياء اليونان عدد كبير نزلوا عن كل ثروتهم لأجل ثورتهم وكان أحد القضاء من الأتراك أتيا مع حرمه في سفينة من مصر إلى الأستانة فظفر اليونان بالسفينة وأهانوا القاضي وضربوه ويقال إنهم اعتدوا على عفة زوجته ثم تركوا السفينة تمضي إلى الأستانة فلما وصلت شاع خبر هذا الاعتداء في العاصمة وكانت صدور الأتراك قد أمتلأت وغرا من أخبار الثورة اليونانية فهاج الشعب التركي وهجموا على دار البطريركية وذبحوا البطريرك غريغوريس مع ثلاثة من الأساقفة وقتلوا الوفا من الأروام وأحتج سفراء الدول الأوروبية على هذه المجزرة فأجاتبهم الدولة بأن دول أوروبا كلها تقتص من جميع الذين يكبدون عليها بلا استثناء فأي حق لها في الاعتراض على الذين يأتمرون بسلامة الدولة العثمانية؟ وفتك الأتراك بالأروام في مقدونيا وتراقيا والأناضول وقيل إنه هلك ثلاثون الف رومي منهم ثمانون أسقفا.

ولما وصلت أخبار هذا الانتقام إلى بلاد اليونان: أشتدت الثورة وانتخب «ديمتريوس ابسيلتي » في مدينة هيدرة قائدا عاما للثورة ولكن الجيوش العثمانية كانت دوخت مون بازي ونافارين وحصرت «باتراس» و«نابولي» و«تربيوليتتزة» وغيرها وأرسل خورشيد باشا وهو يحاصر يانيا عساكر ظهرت كثيرا من البلاد اليونانية من الثوار، ولا سيما في «آرائه» إلا أن اليونان ذبحوا من الأتراك في تربيوليتزة 12 الف نسمة ثم وقع الخلف بين الأروام أنفسهم فكانوا ثلاثة أحزاب كل منها يخالف الآخر في أرائه وكان علي باشا لا يزال يدافع عن يانيا وخورشيد باشا يحاصره إلى أن تمكن خورشيد من الاستيلاء على قلعة يانيا ففر علي باشا إلى بحيرة يانيا وأعتصم بجزيرة لفي وسط البحيرة حيث يوجد برج فيه مخزن بارود جلس فيه ناويا إذا وصل إليه العدو أن يضع النار في البارود فيطير هو والعدو معا ولكن بقية عساكره لم يطيعوه فاضطر إلى قبول شروط الصلح التي عرضها خورشيد باشا وأقسم له هذا على المصحف الشريف بأنه إذا استسلم يسلم فلما استسلم امر خورشيد باشا الجند بقتله، وكان ذلك الشيخ لم يفقد شيئا من بأسه، فلما هجموا عيله أعمل فيهم النار ثم هجم بيطقانه وما زال يصارعهم حتى وقع قتيلا وكان ذلك في 5 فبراير سنة 1822

أما الأروام فضجروا من الشقاق وعقدوا مؤتمر في ابيدور واعلنوا استقلال اليونان وذلك في أول يناير سنة 1822 وأعلنوا الحرية الدينينة واحترام الملك الشخصي والمساواة التامة أمام القانون وانتخبوا مجلسا يقال له مجلس الشيوخ مؤلفا من واحد وخمسين عضوا ينوب كل واحد منهم عن مقاطعة، ولهذا المجلس لجنة إجرائية مركبة من خمسة أعضاء وأنتخب ديمتريوس إبسيليني رئيسا لمجلس الشيوخ وأنتخب مافروكورداتو رئيسا للجنة الإجرائية ولكن إبسيلنتي استقال من رئاسة الشيوخ وأبى كثير من رؤساء العصابات أن يعترفوا بهذا المجلس ومضوا في أعمالهم كأنهم غير مرؤوسين.

وكان من أشهر هؤلاء قائد عصامة إسمنه «اندروزوز» لم يكن أهالي تيساليه وليفاديه يخضعون لغيره فهذا الرجل عصى أوامر المجلس فأمر مافرو كورداتو بعزله عن القيادة وأعلن خيانته ولما سقط علي باشا وإللاى يانيا ساق خورشيد باشا عساكره إلى بلاد اليونان ليقضي على الثورة منتهزا فرصة الخلاف الذي وقع بين زعمائها ولكن خورشيد أخطأ ي كونه أعلن على الأروام بيانا مهينا لهم وفي أثناء ذلك جاء زعيم ارناؤوطي مسيحي إسمه بوتزاريس مشهور بالبسالة ومعه عصابة من نخبة رجاله فأنضم إلى الأروام وأشتدوا به وكان هذا الرجل أبلاى النفس شريف بالمبدأ فوبخهم على قتلهم نساء الأتراك وأطفالهم قائلا لهم إنكم بهذه الاعمال لوثم القضية الوطنية بالعار وزحف مافرو كورداتو لقتال خورشيد باشا فأنكسر وأنكسر أيضا زعماء عصائب أخرى وسقط في أيدي الاروام.

ولم تعد إليهم حماستهم إلى بعد وصول المتطوعين الأوروبيين وكان خورشيد باشا استولي على «قورنتية» وفر رجال الحكومة الوطنية التي تألقت هناك واستولي اليأس على الأورام ما عدا الزعيم ابسيلنى، وزعيما أخر اسمه «كولوكوتروني» فهذان بقيا يقاتلان واجتمع إليهما بقيا يقاتلان واجتمع إليهما بقايا السيف، وأخيرا هزما الأتراك في «ستفاني» و«بارباتي» ومات عبد ذلك خورشيد باشا، قيل أنه سم نفسه من شدة اليأس، غير أن عمر يون استولي على جمهورية شولي، وأجلي أهلها من هناك إلى جزيرة كورفو والجزر التي حولها.

وظهر أن الأوراق لا يقدرون أن يقاوموا الدولة العثمانية في البر، لكنهم كانوا على جانب عظيم من القوة في البحر، لأن مراكب القرصان كانت تملأ مجر اليونان وكانت تمتدي على الجميع. وكان عدد القرصان الأورام وافرا جدا، وكانت الدولة الأوروبية تضطر أحيانا إلى تأديهم، فلما حصلت حرب الاستقلال الرومي اجتمع هؤلاء القرصان كلهم ونصروا القضية الوطنية، وصار أكبرهم المسمي «طومبازيس» ومعه مئه سفينة، وأجبر الأسطول العثماني على عبور الدردنيل راجعا، وبقي يجول في الارخبيل الرومي، ويجاذب الأسطول العثماني الحبل.

فاستنجدت الدولة الأسطول المصري وأرسلت قوة بحرية بارجة قائد الأسطول بدون أن يشعر أحد فوقع الرعب في سائر الأسطول، ودارت الدائية عليه. فأرسلت الدولة أسطولا ثانيا فلم يقدر على قرصان اليونان، وخلت سنة 1823 والوقائع مستمرة، والحرب سجال بين الفريقين إلا أنه في هذه السنة قتل «بونزلريس» المسيحي الذي يعد هو «وإبسيلنيى» و«كناريس» أعظم رجال الثورة اليونانية.

ولما طالت هذه الثورة ثارت الحمية في جميع بلاد أوروبا لنصرة اليونان، الذين يقاتلون لأجل استقلالهم وهب الشبان في فرنسا وإنجلترا والمانيا يريدون التطوع في هذه الحرب، وتألفت الجمعيات لجمع الأموال، واكتتسب الناس فيها من كل فج وأقبل كثيرون من القواد والضباط يركبون البحر إلى بلاد اليونان وانضموا إلى الثوار وقتل كثير من هؤلاء المتطوعين، وكان منهم أفراد من أشرف العائلات النبيلة وقواد من المهشورين بالبسالة.

وفي سنة 1824 استولي الأسطول المصري على جزيرة «كازوس» وقطع المصريون خمسمائية رقبة من الأهالي، وأرسلوا ألوفا من الآذان المصلومة إلى الأستانة واستولي الأسطول التركي على «بسارة» ولكن لم يطل فرح الأتراك هذا فإن السفن اليوناني تغلبت على الأسطول العثماني وفر أمير البحر تاركا الجنود التي أنزلها في «بسارة» فهجم عليهم الأورام وذبحوهم، فأرسلت الدولة أسطولا اجتمع مع الأسطول المصري في جزيرة «ساتس» إلا أن ميوليس» اليوناني من أكبر زعماء الثورة تغلب على الأسطولين، وفقد عددا من جنودهما فأرسل السلطان محمود إلى محمد على والي مصر يوليه بلاد «المورة» وجزيرة «كريت» ويعهد إليه بقمع الثورة، فأرسل محمد على والده إبراهيم باشا فأنزل عما كره في المورة سنة 1825 واستولي على «نافارين» و«كالاماته» وجميع السواحل ما عدا «نابولي» وهزم «كولوكوتروني» في مدينة «تريكورفة» وهزم أبسيلنى في مدينتي «ريزس» و«إردوفه» برغم مساعدات المتطوعين الأوروبين الذين كانوا في صفوف اليونان، وكاد إبراهيم يسحق الثوار بأسرهم فصاروا يقرون إلى الجبال ولم يبق ثائرا إلا زعيم أسمه «بابا فليشاس» فإن هذا الرجل لم يقدر على إبراهيم ولكنه ألحق بعكسره خسائر غير قليلة، ولم يبق بلدة غير طائعة في بلاد اليونان غير «أثينا» و«ميسولونكي» التي جاء القائد التركي رشيد باشا يحاصرها فدافعت النجدات من كل فج بحيث لم يقدر رشيد باشا على فتح البلدة، فاستنجد إبراهيم باشا فجاء وضيق الحصار على «ميسولونكي» فاشتدت المجاعة بالمحصورين حتى أكلوا الخيل والكلاب، وأخيرا أجمعوا من يأسهم على الخروج وكانوا ثلاثة آلاف مقاتل ومعهم النساء والأولاد، فقاتلوا قتالا شديدا ولكنهم لم يقدروا على النجاة ، فسحقهم عساكر إبراهيم باشا ورشيد باشا واستولي المسلمون على «ميسولونكي » ومن بعد ذلك ذهب رشيد باشا يحاصر أثينا، حيث اجتمع ألوف من الثوار ومعهم قواد أوروبيون «فانتصر الأتراك عليهم» ثم أخذت البلاد اليونانية تقدم الطاعة لإبراهيم باشا وكان ينقطع كل أمل من استقلال اليونان الذين أخذ الزعماء منهم يقاتل بعضهم بعضا، وصارت الحالة عندهم أشبه بالفوضي، فعند ذلك تدخلت الدول الثلاث فرنسا وإنجلترا والروسيا وطلبت من الدولة ومن الثوار الأورام توقيف الحرب، فالأروام أسرعوا إلى القبول بطبيعة الحال وأما الدولة فقد رضت هذه المدخلة في مملكتها، واستمرت على القتال فاقترحت الروسيا تقسيم بلاد اليونان إلى ثلاث إمارات تحت حماية أوروبا، فرفضت ذلك الدولة واليونان معا فالدولة رأت في هذا التدبير خروجا لبلاد اليونان من السلطنة العثمانية، واليونان رأوه تدبيرا يخالف مبدأ استقلالهم ووجدتهم وفي ذلك الوقت أي سنة 1825 في شهر ديسمبر توفي القيصر إسكندر وخلفه ابنه تقولا الأول الذي أجبر تركيا على عقد مشاهدة تخول للروسيا حق الملاحة في البحر الأسود، وتجعل سربيا إمارة مستقلة استقلالا داخليا تحت سيادة السلطان، وإنما تبقي حاميات عثمانية في بلغراد، وثلاث قلاع أخرى، وتدفع الدولة جزية سنوية، ثم قررت الدول توكيل إنجلترا سربيا إمارة مستقلة استقلالا داخليا تحت سيادة السلطان وإنما تبقي حاميات عثمانية في بلغراد، وثلاث قلاع أخرى، وتدفع الدولة جزية سنوية.

ناپیژندل شوی مخ