153

تاريخ ابن خلدون

تاريخ ابن خلدون

ژانرونه

ونبغ في ذلك الوقت كوتشوك حسين باشا، فتولى نظارة البحرية وكان صهرا للسلطان وكان متحليا بمزايا نادرة، ولو لم يمت قبل وقته وذلك سنة 1803 لبلغت تركيا بواسطة هذا الوزير الدرجة القصوى من الرقي، فإنه بدأ فطهر البحر من القرصان بعد أن طال عيشهم فيه، ثم أخذ بترميم القلاع وشحنها بالمقاتلة، ثم انتدب مهندسين من فرنسا والسويد، ثم أخذ بإنشاء الأساطيل وجدد مدرسة المدفعية ومدرسة البحرية اللتين كان أنشأهما البارون الفرنسي دوطوط، وأنشأ خزانة كتب تشتمل على أحسن كتب الفن، واعتمد في أكثر إصلاحاته العسكرية على ضباط الفرنسيس، وأدخل إصلاحات في دار السبك في الطوبخانة، وكان الروسيا تنظر إلى هذه النهضة العثمانية بعين الحذر، وقد تحفزت للنكث بمعاهدة ياسي، وثار في ذلك الوقت باشا «ودين» من بلاد البلغاري، فساقت الدولة عسكرا لمحاربته ، ولكنها التزمت أخيرا أن ترضيه بترك ودين له مدة حياته.

وكانت هذه الفتن المصطلمة المستمرة في السلطنة العثمانية في داخلها، وهذه الحروب المضطرمة المستمرة عليها من خارجها، قد أطمعت فيها دول أوروبا وصيرتها تفكر في دنو أجل هذه السلطة، وصارت كل دولة تتحفز للاستئثار بشقص من هذه التركة، وقد كان حديث اقتسام أوروبا للسلطنة العثمانية قديما، وطالما تذاكرت الدول الأوروبية جمعاء في هذا الأمر أو تفاوض القسم الاكبر منها في إتمامه، وكان يحول دول ذلك الاختلاف فيما بينهن مع صعوبة إتمام العمل بنفسه لأنه ليس بسهل، وقد لخصنا في حواشي حاضر العالم الإسلامي كتابا لأحد وزراء رومانيا اسمه مئة اقتسام لتركيا، يدل بالوثائق على قدم الفكرة الصليبية في أوروبا وعدم انقطاعها، ومن الغريب أن الأوروبيين فكروا في هذا الأمر أيام كانت تركيا في عنجهية أمرها، وكانت جيوشها توغل في قلب أوروبا، فبديهي أنهم ازدادوا تفيكرا به بعد أن ظهرت عليها علامات الانحطاط وتوالت فيها الثورات وتحفز رعاياها البلقانيون المسيحيون كالسرب واليونان للانتفاض عليها.

فلما تولى سليم الثالث السلطنة كان الناس في أوروبا يعتقدون أن أجل السلطنة أصبح قريبا جدا، ولذلك قررت الحكومة الفرنسوية غزو الديار المصرية، وحاوت اقتناع تركيا بأن هذه الغزاة لا تنوي بها فرنسا العداوة لتركيا، وإنما تريد بها سبيلا إلى الهند، كما أنها ترى حكم المماليك في مصر شيئا أشبه بالفوضى فتريد القضاء عليه، وكانت إنجلترا في غيرة شديدة من نفوذ كلمة فرنسا لدى الباب العالي، فلما غزت فرنسا مصر اهتبلت في ذلك الفرصة حتى تقربت إلى الحكومة العثمانية، وصارت معها يدا واحدة، فأعلنت الدولة الحرب على فرنسا واتحدث معها إنجلترا والروسيا، وقبضت الدولة على معتمد فرنسا وحبسته في الأبراج السبعة بالأستانة، وضبطت أملاك الفرنسيس في جميع البلاد العثمانية وكان الفرنسيس قد تغلبوا على المماليك في واقعتي الأهرام وإمبابة، وسقطت مصر كلها في أيدي الفرنسيس، وجاء جيش عثماني بقيادة مصطفى باشا عدده 18 ألفا فنزل عند أبي قير ، وقبل أن يتحصن في مراكزه هجم عليه بونابرت ومزقه شر ممزق، إلا أن الأسطول الإنجليزي أحرق الأسطول الفرنسي في مياه أبي قير، فتعذر علي الفرنسيس إنجاد عسكرهم، وصار كالمحصور، ومع هذا فقد زحف بونابرت إلى سورية وما زال يتقدم حتى وضع الحصار على عكا، وكان لو أخذها استولى على سورية وربما وصل إلى الأستانة، وهذا شيء لا يقدر مؤرخ أن يجزم به، وإنما يتفق العقلاء على أن فشل بونابرت أمام عكا قضى على آمال فرنسا في هذه الحملة المصرية «فأحمد باشا الجزار البوسنوري» قائد الحامية العثمانية في عكا «والأميرال سيدني سمث» قائد الأسطول الإنجليزي في بحر عكا ردا بونابرت خائبا، فرجع إلى مصر ومنها أبحر إلى فرنسا، وترك قيادة جيشه للجنرال كليبر، فأخذ الإنجليز يفاوضون كليبر في الصلح، ولكنهم طلبوا منه تسليم جيشه، فأبى قبول هذا الشرط المهين، فجاء واحد اسمه سليمان الحلبي سار من حلب إلى مصر بمجرد حميته وطعن كليبر بخنجر فقتله، فأنقذ الإسلام من عدو كبير، فخلفه الجنرال منوم وأخيرا تم الاتفاق سنة 1801 على إخلاء الفرنسيس للديار المصرية.

وكان السلطان راغبا جدا في عقد الصلح وذلك لأن الفتوق كانت متوالية من كل جهة فالانكشارية عضوا في بلغراد واستولوا على القلعة وكانت عصائب من الأشقياء تعيث في بلاد البلغار ومكدونية وكان السرييون بقيادة قره جورج جد العائلة المالكة الينوم قد رفعوا لواء الثورة وكان علي باشا تبلني المتغلب على بانيا قد أعلن استقلاله عن الدولة وكان الوهابيون قد غزوا الحجاز وأستولوا على الحرمين الشريفين وكانت في نفس العاصمة ثورة أحدثها الانكشارية بالإنفاق مع العلماء بسبب التشكيلات العسكرية التي قام بها السلطان سليم مقتديا فيها بالجيوش الأوروبية وقد أطلق عليها اسم «النظام الجديد»، فوقع القتال بين الانكشارية والنظام الجديد، وأنتهى الأمر بغلبه الانكشارية.

وفي ذلك الوقت رجع التقارب بين تركيا وفرنسا وأرسل بونابرت الجنرال سباستياني لأجل حمل الباب على محاربة الروسيا، وكان الباب العالي عزل أميري الفلاخ ومولدافيا صنيعتي الروسيا فأرسل إسكندر الأول قيصر الروسيا عسكرا احتل تينك الامارتين وأعلنت الحرب.

ثم لم تكف الثورات الداخلية والفتن والحرب مع الروسيا حتى جاء الإنجليز يطلبون من الدولة ان تعقد تحالفا مع الروسيا وإنجلترا وأن تعلن الحرب على فرنسا وتطرد الجنرال «ساستياني» الذي أرسله بونابرت إلى الأستانة، وأن تتخلى عن الفلاخ ومولدافيا للروسيا وقد طلبوا أن يتسلموا الدردنيل والأسطول العثماني فأبى الباب العالي قبول هذه الشروط ودخل الأسطول الإنجليزي من الدردنيل الذي كانت حصونة ضعيفة جدا بسبب إهمال الأتراك لها وكان الأسطول العثماني أمام غ اليبولي فأحرقه الإنجليز ولما وصل الخير إلى الأستانة عول رجال الدولة على الاستسلام لإراد الإنجليز والورس وأشاروا على السلطان سليم بترك كل مقاومة إلا أن الانكشارية والأهالي ثاروا عليهم وأجبروا السلطان على المقاومة واستفاد من ذلك الجنرال سباستياني والفرنسيس، وأنضم إليهم سفير أسبانيا، وحرضوا الأهالي على القتال وأبتدأت التحصينات بالعاصمة بينما الأميرال الإنجليزي دوكنورت يتفاوض مع رجال الديوان في شروط الصلح فما مضت خمسة أيام حتى كانت الحصون قد ترممت وصار فيها تسع مئة مدفع وكان ناظر البحري من حزب المقاومة مخالفا لزملائه فجهر عشر بوارج وأعدها للقتال فلما رأى الأميرال دوكنورت أنه بهذه الايام الخمسة التي أضاعها في المفاوضات الصلحية أصبحت الأستانة في منعه عظيمة خاف على أسطوله فأسرع بمفارقة الأستانة وبينما هو عابر الدرنيل أطلقت عليه الحصون مدافعها فأغرقت له بارجتين وأهلكت ست مئة بحري.

فغضب الإنجليز وأرادوا الاستيلاء على الديار المصرية، وكانت الدولة قد أرادت التخلص من المماليك فثاروا عليها وتغلبوا على خسرو باشا في دمياط

محمد علي باشا

وكان هناك قائد الباني اسمه «محمد علي» من ذوي التدابير استفاد من سوء ادارة المماليك واستجلب إلى ناحيته عواطف الأهالي فصار له حزب عظيم واثروا على المماليك وثاروا أيضا على خسروا باشا الوالي من قبل الدولة وسفروه إلى الأستانة فأرسلت الدولة مكانه خورشيد باشا فأراد هذا أن يتخلص من محمد علي فلم يقدر عليه بسبب انتصار الأهلي له وألح المصريون على الدولة بتولية محمد علي على مصر فرضيت الدولة بذلك تسكينا للفتنة وأصدرت الفرمان بولاية محمد علي على أن يدفع لها خراجا سنويا سبعة ملايين فرنك وكان ذلك سنة 1805 فأتفق المماليك تحت رئاسة محمد بك الألفي مع الإنجليز وشرع الفريقان بمحاربة الدولة وأحتل الجنرال فريزر الإنجليزي الإسكندرية سنة 1807 إلا أن محمد عل يلم يكن على طراز المماليك في الاهمال فتغلب على الإنجليز واسترجع الإسكندرية وأعلنت الدولة الحرب على إنجلترا وجرت معركة بحرية هائلة بين الأسطول العثماني والأسطول الإنجليزي والروسي على باب الدردنيل.

وفي ذلك الوقت عادت الثورة إلى الأستانة، وكان الصدر الأعظم غائبا مع أعوانه الوزراء في سد الفتوق البعيدة فتولى الأمر قائمقام الصدارة فخان السلطان وأفسد بين الجند فهاجموا القصر وطلبوا من السلطان أن يسلمهم سبعة عشرة شخصة من رجاله ليقتلوهم وكان السلطان توقف عن مقابلة الانكشارية بالعسكر الجديد تحرجا من سفك الدماء بين عساكره ولكنه لم يشأ أن يوافق على تسليم رجاله للقتل وفي مقدمتهم البستانجي باشي الذي عندما رأى أستفحال الثورة وإحاطة الانكشارية والجيش المسمى يمك بالقصر أراد أن يستسلم إليه ليقتلوه ويخلص مولاه السلطان من هذا المأزق وأخذ السيف يعمل في جميع أنصار الإصلاحات الجديدة ثم إزداد الجند حتى طلبوا خلع السلطان سليم نفسه فاستفتوا شيخ الإسلام قائلين له: إذا كان السلطان مخالفا لأحكام القرآن فهل يجوز بقاؤه على عرش السلطنة ؟ فأجاب شيخ الإسلام كلا والله أعلم بما يجب وكان رئيس الثورة رجلا يقال له قاباقتجي أوغلو فاستند على هذه الفتوى وخلعوا سليم الثالث.

ناپیژندل شوی مخ