141

تاريخ ابن خلدون

تاريخ ابن خلدون

ژانرونه

وفي ذلك الوقت ظهر التبغ بواسطة الهولانديين، فأفتى شيخ الإسلام بمنعه بحجة أنه من الخبائث على نحو ما يذهب إليه اليوم الوهابية وأتباع الطريقة السنوسية أيضا، ولكن الشعب ثار بالمفتي وقالوا: إنه لا يوجد تحريم للدخان في الكتاب أو السنة، فمن أين للمفتي حق تحريم ما لم يرد على منعه نص؟ فاضطر المفتي إلى إلغاء فتواه، وكان السلطان أحمد الأول قد بلغ رشده وظهرت مناقبه، فكان عادلا كريما محمود السيرة، معتنيا بأمر المملكة، وكان موصوفا بالتقوى والورع أهدى نفائس نادرة إلى الحجرة الشريفة النبوية، ولو لم يكن له علة إلا أن رئيس الخصيان في القصر السلطاني كان في زمانه صاحب الأمر والنهي، ولما مات السلطان أحمد الأول سنة 1607 كان ابنه عثمان في سن الثالثة عشرة.

السلطان مصطفى

فرجحت الأمة مبايعة السلطان مصطى أخي السلطان أحمد، وفي زمن السلطان أحمد هذا أجلى الإسبان بقية مسلمي الأندلس الذين كانوا أكرهوا على التنصير، لكنهم لبثوا مسلمين في الباطن، وسبب ذلك أن هؤلاء أرسلوا وفدا إلى السلطان أحمد يستغيثون به، فخاف ملك إسبانيا من الدولة العثمانية فقرر إجلاءهم، ودخل منهم ألوف إلى فرنسا، فأرسل السلطان أحمد إلى هنري الرابع ملك فرنسا يطلب منه إرسالهم إلى بلاده وبلاد الإسلام ففي الحال أركبوهم السفن إلى بلاد الإسلام.

وفي بداية زمن السلطان مصطفى وقعت حادثة كادت تشمل الحرب بين الباب العالي وفرنسا، وذلك أن أميرا من أمراء بولونيا كان معتقلا في الأبراج السبعة بالقسطنطينية، ففر منها بمساعدة أحد كتاب سفارة فرنسا فقبضت الدولة على السفير واعتقلته، ووسعت مأموري السفارة تحت الاستنطاق، ولبثوا في الاعتقال أربعة أشهر، فأرسلت فرنسا تتهدد بالحرب وتطلب التعويضات، فلم يصل معتمد فرنسا إلى الأستانة حتى كان العثمانيون خلعوا السلطان مصطفى.

السلطان عثمان الثاني

وبايعو السلطان عثمان الثاني ابن أخيه فكانت مدة مصطفى ثلاثة أشهر فقط واعتذرت الدولة لفرنسا، وكتب السلطان والصدر الأعظم وقبطان البحر كتاب اعتذار إلى لويس الثالث عشر، وانتهت المسألة، وفي ذلك الوقت وقع خلاف بين الدولة وبولونيا من أجل مسائل تتعلق بترانسلفانيا، فأجمع السلطان على غزو بولونيا، وكان ينوي ذلك حتى يتمكن من منع تجاوز الروسيا التي كان قد بدأ أمرها يستفحل، فزحفت الجيوش العثمانية وقطعت نهر دينستر، وحملت على الجيش البولوني حملات شديدة، لكنها لم تقدر عليه، فلما رأى العثمانيون عقم هذه الحروب، وكان البولونيون في وجل شديد من الهزيمة، انعقدت معاهدة الصلح في 16 أكتوبر 1620.

وفي ذلك الوقت حصلت مؤامرة في فرنسا على الدولة العثمانية يرأسها كارلس الثاني الملقب ب«كارلس دوغنزاغ

de gauzague » وزعموا أنهم يريدون الاستيلاء على القسطنطينية، وكان منهم البرنس «دوكليف

de Cleves » التي كانت جدته مرغريت باليولوغ من سلالة الإمبراطور اندرونيك باليولوغ، فبدأ هؤلاء الأمراء بالسعي لدى إمبراطور ألمانيا وملك إسبانيا، حتى يعضدهم في هذه الحرب الصليبية، وأرسلوا يوقدون نيران الفتن في بلاد العرب وكروآسيا ودالمآسيا والبانيا ومكدونيا، وفي 8 ستبمبر 1614 حصل اجتماع حضره زعماء من الصرب والهرسك والبشناق والدالماسيين في أرض القبيلة الألبانية الكاثوليكية المسماة ب«كوتجي» وكان في هذا الاجتماع بطريرك الصرب وكثير من الأساقفة، وتقرر إدخال أسلحة وأعتدة من البحر إلى أرض الجبل الأسود وتوزيعها على القبائل الألبانية، وأن تثور هذه القبائل وينضم إليها الصربيون، وقدروا أن عدد الثوار لن يقل عن اثنين وأربعين ألف مقاتل منهم اثنا عشر ألفا من الفرسان، وأنهم يدهمون المدن مثل «فالونه» و«شقودرة» و«كاستلنوفو» قبل أن يتنبه الترك للمكيدة.

وبلغ الخبر أمراء مولدافيا والفلاخ فوعدوا بأنهم بمجرد اشتعال الثورة يعبرون نهر الطونة بجيوشهم وينضمون إلى الثوار المسيحيين، وكان كارلس الثاني دوغنزاغ قد شرع بتكتيب كتائب من فرنسا وفي بناء سفن حربية على نفقة نفسه، وتبرع البابا بمبلغ مئتي ألف ذهب لهذه الحرب وبتقديم ألفي مقاتل في عشر سفن، ووعد ملك إسبانيا بست مئة ألف ذهب وعشرين سفينة، ووعد فرسان مالطة بست سفن، وتعهد اليونان بالدخول في هذه الثورة، واتفق الكاثوليك والأرثوذكس من يونانيين وألبانيين وصرب وبلغار، وتعاهد الأساقفة على ذلك، وكان الرأي العام في فرنسا مائلا جدا إلى إصلاء هذه الحرب الصلييبة على المسلمين، ونشر «سافاري دوبريف» “de Bréves”

ناپیژندل شوی مخ