142

تاريخ ابن خلدون

تاريخ ابن خلدون

ژانرونه

سفير فرنسا في تركيا سابقا 1619 نشرة في وجوب محو السلطنة العثمانية، ودعا القسيسون والأساقفة في الكنائس وأعلنوا الحرب الصليبية سواء في فرنسا أو في النمسا أو في بولونيا أو في إيطاليا، إلا أن كل هذا توقف من نفسه وحبط العمل، ويقال إن الأسطول الذي كان أعده كارلس دوغنزاغ المسمى «بدوك نيفير» احترق بسبب لا يزال مجهولا واضمحلت هذه المسألة من ذلك الوقت.

وقد أشرنا في حواشي «حاضر العالم الإسلامي» إلى هذه المؤامرة الصليبية في جملة المئة مشروع التي ائتمرت بها أوروبا على الإسلام في مدة ست مئة سنة فمن شاء فليراجع ذلك هناك.

وكان السلطان عثمان قد صمم أن يتخلص من أوجاق الانكشارية ويستبدل به جيشا يكون أطوع للسلطنة منه، فعلم الانكشارية بذلك وثاروا به وعينوا داود باشا صدرا أعظم، وخلعوا السلطان وساقوه إلى الأبراج السبعة، وهناك قتلوه في 20 مايو 1622 وهو أول سلطان قتل في الدولة العثمانية.

السلطان مصطفى ثاني مرة

وتولى مكان السلطان عثمان عمه السلطان مصطفى فما مضى يومان على مبايعته حتى ثار السباهية بداود باشا وطالبوه بدم السلطان عثمان، فقال لهم: إنه ما قتله إلا بأمر السلطان مصطفى، فلم ينفعه هذا العذر وأسقطوه من الوزارة، وصارت الحكومة ألعوبة في أيدي العساكر حتى يقال إنهم أسقطوا ستة صدور عظام في مدة الخمسة عشر شهرا التي تولاها مصطفى، وصارت الأمور في نفس الأستانة أشبه بالفوضى، وعصى باشا طرابلس الشام، فطرد الانكشارية من بلده، وعصى باشا ارضروم وزحف إلى أنقرة وسيواس وعذب من سقطوا في يده من الانكشارية، وانضمت بلدان كثيرة في الأناضول إلى الثوار كرها بالانكشارية، وأراد العلماء أن يوقفوا الانكشارية عند حدهم، فلم يفلحوا، وأخيرا تولى الصدارة علي باشا، فرأى أنه لا يستتب النظام بوجود سلطان بلغ هذا الحد من ضعف العزم، فقرر خلعه ومبايعة مراد أخي السلطان عثمان.

السلطان مراد الرابع

وكان مراد مراهقا لم يتجاوز اثنتي عشرة سنة من العمر فلذلك بقي السباهية والانكشارية يسرحون ويمرحون كما يشاءون، ويعسفون الأهالي باسم السلطان.

واستفادت العجم من هذه الحالة فتجاوزت على ملك آل عثمان وزحف الشاه عباس على بغداد وفتحها بعد حصار ثلاثة أشهر وعذب أهل السنة وشنق نوري افندق قاضي بغداد وعمر أفندي خطيب الجامع الأعظم، وكان والي بغداد في الأصل ضابطا من ضباط الشرطة اسمه «بكير آغا»، فعصى الوالي وأراد أن يستأثر هو بالولاية واعصوصب حوله جماعة على شاكلته، فغلب عليه حافظ باشا وكاد يوقع به، فأرسل بكير آغا إلى الشاه عباس ليأتي إلى بغداد فيسلمه البلد، فلما جاء الشاه عباس وطلب مفاتيح بغداد وجد بكير آغا قد صالح العثمانيين على شرط أن يكون واليا، فالتزم الشاه عباس أن يحصر بغداد وأخذ يغاديها القتال ويراوحها، ولم يتمكن منها إلا بخيانة أبي بكير آغا الذي وعده الشاه عباس بأن يجعله واليا محل أبيه، فلما فتح الشاه عباس بغداد بقي يعذب بكير آغا ستة أيام، ثم وضعه في زورق مطلي بالقطران الملتهب وتركه في دجلة ثم قتل ابنه الذي خان أباه.

ولما وصل خبر سقوط بغداد إلى السلطان مراد الرابع حاول علي باشا الصدر الأعظم إخفاء الخبر عن السلطان، ولكن المفتي أسعد أفندي أخبره بالحادثة، فصدر أمر السلطان بقتل الصدر وعين مكانه شركس محمد، وسرحه بجيش لقتال اباضة والي ارضروم الذي عصى الحكومة وأخذ يقتل الانكشارية في كل سهل وجبل، فزحف إليه القائد حافظ باشا وهزمه ثم صالحه على أن يبقى واليا على ارضروم، وفي أثناء ذلك مات الصدر الأعظم محمد باشا، فتولى مكانه حافظ باشا وزحف إلى بغداد، وانكفأ إلى الموصل ثم إلى ديار بكر، وعاد الانكشارية إلى الثورة، فعزل السلطان حافظ باشا وولى مكانه خليل باشا، فزحف هذا ليأخذ أباظه والى أرضروم فلم يقدر عليه، فعزله السلطان وولى خسرو باشا، فتمكن هذا من إخضاع أباظة ولكنه عوضه من أرضروم بولاية بوسنة.

وبقيت الثورات تتوالى في وسط السلطنة والحالة تسوء، ولكن الله فرج عن الدولة العثمانية بموت الشاه عباس أكبر سلاطين الدولة الصفوية، فخلفه ابنه وكان شابا غرا فزحف خسرو باشا إلى العراق وهزم جيوش العجم، لكنه لم يقدر على فتح بغداد برغم مهاجماته الكثيرة لها، ورجع خسرو باشا إلى الموصل، فرد السلطان إلى الصدارة حافظ باشا الذي لم يكن عنده مثله في كافيته.

ناپیژندل شوی مخ